[عبودية السماوات والأرض]
وأيضاً هناك عبودية السماوات والأرض، يقول تبارك وتعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت:١١].
وقال عز وجل: {وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الأَمْرُ} [هود:٤٤].
ويقول تعالى: {تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً} [مريم:٩٠ - ٩١]، يقول ابن عباس: إن الشرك فزعت منه السماوات والأرض والجبال وجميع الخلائق، إلا الثقلين، وكادت أن تزول منه لعظمة الله.
ويقول تبارك وتعالى: {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمْ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ} [الدخان:٢٩]، قال بعض العلماء: فيه أنهما لا يبكيان على الكافرين، ومفهومه أنهما يبكيان على المؤمنين، وفراق الصالحين.
كل شيء له بكاء خاص به، فبكاء الإنسان بالدموع، أما بكاء السماوات والأرض فبحسبهما، والله أعلم بكيفيته.
ويقول عليه الصلاة والسلام: (إن يوم الجمعة سيد الأيام، وأعظمها عند الله، وفيه تقوم الساعة، وما من ملك مقرب ولا سماء ولا أرض ولا رياح ولا بحر إلا وهن يشفقن من يوم الجمعة).
أما عبودية الأرض ففي قصة يأجوج ومأجوج، يقول عليه الصلاة والسلام: (ثم يقال للأرض: أنبتي ثمرتك، وردي بركتك)، وهذا متفق عليه.
كذلك أيضاً في قصة الرجل الذي أمر بنيه بإحراقه، يقول عليه الصلاة والسلام: (فأمر الله الأرض فقال: اجمعي ما فيك منه، ففعلت).
وأيضاً في قصة الرجل الذي قتل مائة، قال عليه الصلاة والسلام: (فأوحى الله إلى هذه أن تباعدي، وإلى هذه أن تقربي)، وهذا رواه مسلم.
وكذلك في قوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا} [الزلزلة:٤ - ٥] قالوا: تشهد على بنيها بما عملوا على ظهرها من خير وشر.
ويقول عليه الصلاة والسلام: (إذا كان أجل أحدكم بأرض -أي: إذا كان مكتوباً لك أن تموت في أرض معينة- أوثبته إليها الحاجة، فإذا بلغ أقصى أثره -أي: بلغ الخطوات المكتوبة له- قبضه الله سبحانه، فتقول الأرض يوم القيامة: رب! هذا ما استودعتني).
وأيضاً الأرض هي من المخلوقات التي تعرف الولاء والبراء كما ذكرنا، فهي توالي أولياء الله، وتعادي أعداء الله، كما ورد عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: (كان منا رجل من بني النجار قد قرأ البقرة وآل عمران، وكان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلق هارباً حتى لحق بأهل الكتاب، -يعني: ارتد- فعرفوه، وقالوا: هذا كان يكتب لمحمد -عليه الصلاة والسلام- فأعجبوا به -كما أعجبوا بالكذاب سلمان رشدي - فما لبث أن قصم الله عنقه فيهم، يعني: بقي وقتاً يسيراً حتى قصم الله عنقه وهو مقيم في وسط إخوانه من الكفار، فحفروا له فواروه، فأصبحت الأرض قد نبذته على وجهها، ثم عادوا فحفروا له فواروه، فأصبحت الأرض قد نبذته على وجهها، فتركوه منبوذاً) رواه مسلم.
وعن أوس بن أوس رضي الله عنهما مرفوعاً: (إن الله قد حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء)، فهي عابدة تطيع أمر الله سبحانه وتعالى فلا تأكل أجساد الأنبياء.