تفسير قوله تعالى: (إن من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم)
قد يقع الافتتان بالمرأة من وجه آخر، وذلك إذا سحرت المرأة لب الرجل وزينت له ترك الواجب أو فعل الحرام، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكن).
لهذا يقول بعض الشعراء: إن العيون التي في طرفها حور قتلننا ثم لم يحيين قتلانا يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به وهن أضعف خلق الله أَركانا قال الله عز وجل مبيناً هذا النوع الخفي الدقيق من الفتنة بالمرأة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [التغابن:١٤ - ١٥].
قال المفسرون: نزلت في عوف بن مالك الأشجعي كان ذا أهل وولد، وكان إذا أراد الغزو بكوا إليه ورققوه فقالوا: إلى من تدعنا؟ فيرق لهم فيقيم ويقعد عن الجهاد، فنزلت الآية منبهة لذلك محذرة من الركون إلى الأزواج والأولاد.
وروي أنها نزلت في رجال أسلموا من أهل مكة، وأرادوا أن يأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأبى أزواجهم وأولادهم أن يدعوهم أن يأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فلما هاجروا إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد زمان طويل ورأوا الناس قد فقهوا في الدين، هموا أن يعاقبوا أولادهم ونساءهم الذين كانوا يمنعونهم من الهجرة مبكراً.
فكان أحدهم يقول: لأرجعن إلى الذين كانوا ينهون عن هذا الأمر فلأفعلن ولأفعلن، فأنزل الله عز وجل: ((وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)).
يقول العلماء رحمهم الله: هذا يبين وجه العداوة، فإن العدو لم يكن عدواً لذاته -أي أن الأزواج والأولاد في مثل هذه الحالة ليسوا بأعداء على الحقيقة- وإنما كان عدواً لفعله، فإذا فعلت الزوجة والولد فعل العدو كانوا هم العدو، ولا فعل أقبح من الحيلولة بين العبد وبين طاعة ربه عز وجل.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الشيطان قعد لابن آدم في طريق الإيمان فقال: أتؤمن وتذر دينك ودين آبائك؟ فخالفه وآمن، ثم قعد له على طريق الهجرة فقال له أتهاجر وتترك مالك وأهلك؟ فخالفه فهاجر، ثم قعد له على طريق الجهاد، فقال له: أتجاهد فتقتل نفسك، وتنكح نساؤك، ويقسم مالك؟ فخالفه فجاهد فقتل، فحق على الله أن يدخله الجنة).
وقعود الشيطان الوارد في الحديث يكون بوجهين: أحدهما: بالوسوسة.
الثاني: أن يحمله على ما يريد من ذلك الزوجة والولد والصاحب.
فإما أن يوسوس لك الشيطان مباشرة بهذه الأشياء، أو يسلط عليك الزوجة أو الولد فينطق على لسانهم بما يريد من تثبيطك عن طاعة الله عز وجل، يقول الله عز وجل: {وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} [فصلت:٢٥].
وكما أن الرجل يكون له ولده وزوجته عدواً كذلك المرأة يكون لها زوجها وولدها عدواً بهذا المعنى بعينه، فإن قوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ)) يشمل الرجال ويشمل النساء، فالمرأة يمكن أن تفتن الرجل في دينه، وكذلك الرجل يمكن أن يكون عدواً للمرأة يفتنها في دينها بنفس هذا المعنى، فيفعل فعل العدو، فقوله تعالى: ((إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ)) يدخل فيه الذكر والأنثى، وهذه الآية عامة في كل معصية يرتكبها الإنسان بسبب الأهل والولد، ومن ذلك أن يبكي الأولاد يريدون جهاز التلفزيون كما أن أولاد الجيران عندهم جهاز تلفزيون، فيأتي ويقول: الأولاد بكوا وضغطوا علي وما استطعت أن أفعل شيئاً، وهذا أحسن من أن يذهبوا بيوت الجيران وينظروا عندهم، وهكذا كأنه سلطان بلا تاج، وكأنه لن يسأل عن هذه الرعية التي يهلكها بنفسه! ومن ذلك السكوت على الزوجة والأولاد إذا قعدوا عن فريضة من فرائض الله كالصلاة والصيام وغيرها، أو ارتكبوا معصية من معاصي الله تبارك وتعالى.
ومن ذلك: إقرار الزوجة والبنات على التبرج والتكشف والسفور والاختلاط المحرم بين الرجال والنساء، وسماع آلات اللهو، وإقرار النساء على مخالطة المتبرجات، ومماشاتهن في الشوارع والطرقات، ومجالستهن في المجامع والضيافات.
قال العلماء: إن في النساء فتنتين، وفي الأولاد فتنة واحدة.
أما الفتنتان اللتان في النساء: فإحداهما: أن تؤدي إلى قطع الرحم؛ لأن المرأة تأمر زوجها بقطع الأمهات والأخوات، وإذا لم يتفطن لهذه المحاذير فإنه ربما طاوع امرأته حتى أدت هذه المطاوعة إلى أن يقطع رحمه من أمهات أو أخوات إلى آخره.
الفتنة الثانية في الزوجة: أن يبتلى بجمع المال لها من الحلال أو الحرام.
أما الأولاد فالفتنة فيهم واحدة، وهي أنه ابتلي بجمع المال من أجلهم.
فإذا بحث الإنسان عن ذات الدين، سلم له دينه؛ لذلك أوصى النبي صلى الله عليه وسلم وشدد في الوصية وقال: (فاظفر بذات الدين تربت يداك)؛ لأن المرأة إما أن تكون ستراً من النار، أو تكون هي النار بعينها، أو السبب المؤدي للإنسان إلى النار إذا لم يلتفت لهذه الفتنة.