للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[بعض النماذج من تلك الكتب التي طبعوها]

وهنا أذكر بعض النماذج، وأقتصر فقط على شخصيتين من هذه الشخصيات, الأولى منهما: سلامة موسى، وقد بعث له جزء من هذا التراث، وذلك أيضاً في سلسلة المواجهة للإسلام، والصد عن سبيل الله تبارك وتعالى, وأنا أقتطف بعض عباراته حتى نعرف من هو سلامة موسى؟ ومن هم رواد التنوير؟ وما هو التنوير الذي يريدون أن نتنور به؟ يقول سلامة موسى في تلخيص هدفه من دعوته: إنه يجب علينا أن نخرج من آسيا، وأن نلتحق بأوروبا.

ويقول: إني كلما زادت معرفتي بالشرق زادت كراهيتي له، وشعوري بأنه غريب عني، وكلما ازدادت معرفتي بأوروبا زاد حبي لها وتعلقي بها، وزاد شعوري بأنها مني وأنا منها, هذا هو مذهبي الذي أعمل له طول حياتي سراً وجهرة، فأنا كافر بالشرق مؤمن بالغرب, فنريد من التعليم أن يكون تعليماً أوروبياً لا سلطان للدين عليه، ولا دخول له فيه, ويريد من الحكومة أن تكون ديمقراطية برلمانية كما هي في أوروبا، وأن يعاقب كل من يحاول أن يجعلها مثل حكومة هارون الرشيد، أو المأمون، أو أورستقراطية دينية, ويريد أن يبطل شريعة الإسلام في تعدد الزوجات، وفي الطلاق، بحيث يعاقب بالسجن كل من يتزوج أكثر من امرأة، ويمنع الطلاق إلا بحكم المحكمة, ويريد أن يقتلع من أدبنا -كما يقول- كل طابع شرقي مما يسميه هو: آثار العبودية والذل والتوكل على الآلهة.

فنقول له: إنّ التوكل على الآلهة أمر موجود عندكم هناك في الكنيسة, وشركة القبانية، أما أن تخاطب أمة الإسلام وتقول: نريد أن نقتلع جذور التوكل على الآلهة, فليس عندنا آلهة، وإنما الله إله واحد.

ويقول أيضاً وهو يمتدح العصر الإسماعيلي بعدما امتدح عصر نابليون، وما جره على مصر من البركات، ثم يتكلم عن الإسماعيلي فيقول: الذي رأى بنافذ بصيرته أنه لابد لنا من أن نتفرنج، ونقطع الصلة بيننا وبين آسيا، -المقصود بآسيا هو الإسلام الذي جاء من آسيا- فأنشأ الإسماعيلي مجلساً نيابياً, وأسس مجلس وزراء، ثم جعلنا نلبس الملابس الأوروبية، ووزع بين أعيان البلاد فتيات من الشركة؛ لكي يتحسن اللون ويقارب البشرة الأوروبية.

فهذا بغض للذات، واحتقار للنفس, وهذا شيء عجيب! ثم يقول: قد آن الأوان كي نعتاد عادات الأوروبيين، ونلبس لباسهم، ونأكل طعامهم، ونصطنع أساليبهم في الحكومة والعائلة والاجتماع والصناعة والزراعة.

ويقول أيضاً: إن الرابطة الشرقية -والمقصود بها الإسلام- سخافة, فمالنا ولهذه الرابطة الشرقية، وأية مصلحة تربطنا بأهل جاوة؟ -يعني: في أندونيسيا- وماذا ننتفع بهم؟ وماذا هم ينتفعون منا؟ إننا في حاجة إلى رابطة غربية، كأن نؤلف جمعية مصرية يكون أعضاؤها من السويسريين، والإنجليز، والنرويجيين وغيرهم, فنقعد معهم، ونستفيد منهم إلى أن يقول: فمثل هؤلاء الناس العباقرة والأذكياء نستطيع أن نؤلف رابطة معهم، ولكن ما الفائدة من تأليف رابطة مع الهندي أو الجاوي -يقصد: الهندي أو الجاوي المسلم-؟ ويقول أيضاً: نحن في حاجة إلى ثقافة حرة أبعد ما تكون عن الأديان.

ويقول أيضاً: وقد كان مصطفى كامل -لجهله بروح الزمن- يخبرنا نحن المصريين عن الإسلام في الصين تحت عنوان: أخبار العالم الإسلامي.

أي: أنه يسخر من المسلمين في الصين، ومن أخبار العالم الإسلامي في الصين.

ويقول أيضاً: إن اصطناع القبعة أكثر ما يقرب بيننا وبين الأجانب، ويجعلنا أمة واحدة.

ويقول أيضاً: لسنا نحب أن نخرج على العالم المتمدن بلباس خاص يجعلنا في مركز من الشذوذ، ويجلب إلينا الأنظار, فيعمد السائحون إلى تصويرنا كأننا أمة غريبة عن الأمم التي جاءوا منها.

ويقول: إن الأجانب يحتقروننا بحق، ونحن نكرههم بلا حق.

ويقول: إنني أطلب من الأدب شيئاً جديداً مغذياً غير الكلام عن العرب بلغة العرب، وشبابنا أيضاً يوشك أن يلبس القبعة؛ لأنه يجد هواناً من الشذوذ من العالم المتمدن، وهو أيضاً قد أبصر أننا إذا أخلصنا النية مع الإنجليز فقد نتفق معهم إذا ضمنا لهم مصالحهم، وهم في الوقت نفسه إذا أخلصوا النية لنا فإننا نقضي على مراكز الرجعية في مصر، وننتهي منها، فلنول وجهنا شطر أوروبا.

ويقول أيضاً في تعبير خطير جداً -وهو من أنبياء العلمانية ورسلها- يقول: وها نحن أولاء نجد أنفسنا الآن مترددين بين الشرق والغرب, فلنا حكومة منظمة على الأساليب الأوروبية، ولكن في وسط الحكومة أجسام شرقية، مثل وزارة الأوقاف، والمحاكم الشرعية، وهي تؤخر تقدم البلاد, ولنا جامعة تبعث بيننا ثقافة العالم المتمدن، ولكن كلية جامعة الأزهر تقف إلى جانبها، وتبث بيننا ثقافة القرون المظلمة, ولنا أفندية قد تخرجوا، لهم بيوت نظيفة، ويقرءون كتباً سليمة، ولكن إلى جانبهم شيوخ لا يزالون يلبسون الجبب والقسطاطين، ولا يتورعون من التوضؤ على قوارع الطرق في الأرياف، ولا يزالون يسمون الأقباط واليهود كفاراً كما كان يسميهم عمر بن الخطاب قبل ألف وثلاثمائة سنة.

وهو أيضاً ناقم على الشيوخ الذين يعلّمون اللغة العربية, وينادي بأن يسلََّم أمر تعليمها إلى الأفندية، حيث يقول: ولكن تعليم العربية في مصر لا يزال في أيدي الشيوخ الذين ينقعون أدمغتهم نقعاً في الثقافة العربية -أي ثقافة القرون المظلمة- فلا رجاء لنا بإصلاح التعليم حتى نمنع هؤلاء الشيوخ منه، ونسلمه للأفندية الذين ساروا شوطاً بعيداً في الثقافة الحديثة.

ويقول أيضاً: إذا كانت الرابطة الشرقية سخافة، لأنها تقوم على أصل كاذب؛ فإن الرابطة الدينية وقاحة، فإننا -أبناء القرن العشرين- أكبر من أن نعتمد على الدين جامعة تربطنا.

فهل هذه هي مواجهة الإرهاب؟ وهل هذه هي مواجهة التطرف؟ إنّ هذا تطرف إلى أبعد ما يكون، وقد سبق أن تكلمنا قبلُ وقلنا: إن المتطرف هو كل من لم يكن مسلَّماً لأهل السنة والجماعة, فهذا هو تعريف التطرف, فالتطرف هو الانحراف عن الوسط يميناً أو يساراًَ، ففي داخل الدائرة الإسلامية: كل من ليس سلفياً من أهل السنة والجماعة، وانتمى لفرقة من الفرق الضالة النارية الاثنتين وسبعين فرقة، فهذا متطرف انحرف عن الوسط في الإسلام، وهو منهج أهل السنة والجماعة كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام, فهذه درجة من درجات التطرف, وأشد وأخطر تطرفاً من يخرج عن الدائرة بالكلية كالعلمانيين، فهم متطرفون, فكل يهودي متطرف, وكل نصراني متطرف, وكل من ليس على ملة الإسلام فهو متطرف في نظرنا؛ لأننا نحن الأمة الوسط، ونحن الميزان، ونحن المقياس، وهم يقلبون الأصل، فيجعلون واقع المجتمعات الآن هو الوسط، وهو الاعتدال، وكل من انحرف عنه فهو المتطرف, فنقول لهم: لكم دينكم ولنا دين, فهذا دينكم، وأما ديننا الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم فهذه هي مقاييسه، وهذه هي موازينه.