[الرد على من يزعم أن قضايا العقدية قضايا نظرية]
بعض الناس يسمون قضايا العقيدة قضايا نظرية، ويقولون: مالكم تحيون معارك تاريخية عفا عليها الزمان، ونحتاج إلى توضيح هذه الشبهة.
أولاً: قولهم إنها قضايا نظرية.
نقول: كيف تكون قضايا نظرية والاعتقاد والتصديق أساساً هو عمل القلب؟! الله سبحانه وتعالى يقول: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} [البقرة:٢٢٥] فالقلب يكسب ويعمل، ويبغض ويحب، ويوالي ويعادي، فهذا كله عمل قلبي، وهو ركن من أركان العبادات القلبية، والعبادات القلبية أخطر من كل أنواع العبادات الأخرى، وكبائر القلب أخطر من كبائر الجوارح، فنقول: ليست كل القضايا العقدية هي عبارة عن ردود أفعال تجاه معارك تاريخية، لا، أنتم تعرفون أن أي مذهب شيوعي أو ماركسي له جانب نظري اعتقادي أو أكاديمي كما يقولون، ثم هناك جانب تطبيقي بعد ذلك، فلا يوجد مذهب إلا ويلزم أن يكون له ميثاق نظري يضبط أصوله وقواعده.
فكذلك هنا بالنسبة للمنهج السلفي أنت لا تستحق وصف الإيمان إلا إذا آمنت بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره من الله سبحانه وتعالى، وهذا قول مجمل كما في حديث جبريل، وفسره القرآن والسنة، وأنت مطالب باستيعاب هذه النصوص بقدر استطاعتك حتى يصح وصفك بالإيمان.
فإذا تأملنا مثلاً أعظم آية في كتابة الله، هل سيسميها هؤلاء القوم آية نظرية لا داعي للاهتمام بها، مع ما لها من الفضائل؟ أعظم آية في كتاب الله هي آية الكرسي، ليس فيها إلا صفات الله سبحانه وتعالى، نفي وإثبات، نفي النقص، وإثبات الكمال قال تعالى: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ} [البقرة:٢٥٥] إلى آخر الآية.
ما هي السورة التي هي تعادل ثلث القرآن؟ سورة: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:١] تعدل ثلث القرآن، ليس فيها إلا صفة الله سبحانه وتعالى، فالعقيدة ليست قضية نظرية، وهذا من جهل هؤلاء الناس الذين يزهدون في تعلم التوحيد بحجة أنها قضايا نظرية ينبغي الاشتغال بما وراءها.
ثانياً: إن الاهتمام بالقضايا العقدية إحياء لمعارك تاريخية.
نقول: نعم، إذا كانت الفرقة قد انقرضت، وقامت مساجلات ومعارك بين أهل البدع وبين علماء السلفيين فيما مضى، وانقرضت هذه الفرقة الآن؛ فعموم الناس وعموم طلبة العلم لا يحتاجون إلى الخوض وتجديد وإحياء معارك قديمة، لكن إذا كانت الانحرافات والضلالات والبدع الضالة سائدة وموجودة فيتعين على المسلم أن يتعلم ما يدفع به هذه الشبهات، فمثلاً: من خصائص السلفية صيانة التاريخ السلفي، وتحديد موقفنا مما شجر بين الصحابة كما هو منصوص عليه في متون الاعتقاد، فهل هذه قضية تاريخية؟ انظروا في كتب التاريخ التي تدرس لعامة الطلبة في المدارس، بكافة مراحلها، كيف تتناول الصحابة رضوان الله تعالى عنهم؟ كيف تتناول معاوية رضي الله عنه؟ كيف تتناول عمرو بن العاص؟ عمرو بن العاص الذي له في عنقنا -أهل مصر- أعظم المنة، عمرو بن العاص الذي قيضه الله لأن ينقذنا من الكفر إلى الإيمان، ومن الظلمات إلى النور، عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه ماذا يقال عنه في كتب التاريخ؟ تجد فيها سب بعض الصحابة، وهذا موجود، فهل يقال: هذا إحياء لمعارك تاريخية؟! دولة الرافضة موقفها من الصحابة لا يخفى، ولابد من توعية حتى لا يلتبس الأمر على الشباب.
وهكذا قضية الاعتقاد في صفات الله، ما هو المذهب المعتمد الآن في مصر وفي كثير جداً من بلاد العالم الإسلامي؟ المذهب المعتمد هو منهج الأشاعرة أساساً، وفي بعض البلاد مذهب الماتريدية.
يوجد الآن في عمان وبقاع من الجزائر وليبيا مذهب الإباضية من الخوارج، فضلاً عن الفرق التي ظهرت كفرقة التكفير والهجرة أو الخوارج الجدد.
مذهب المعتزلة الآن منهج محترم تماماً، ويدرس منهجهم في الجامعة، ويتحدث عن أبطال المعتزلة، ومآثرهم في الإسلام وكذا وكذا!! وهذا موجود في كراسي الجامعة.
فإذاً: الضلالات منتشرة في الحقيقة، ونحن نحتاج إلى المناعة من هذه الضلالات، وليست القضية قضية إحياء قضايا تاريخية كما يزعم هؤلاء الناس.