[وصية الصباغ للزوج حديث العهد بالعرس]
يوصي الأستاذ الدكتور/ محمد الصباغ حفظه الله تعالى الزوج العروس فيقول له: لا تشتغل طويلاً عن أهلك، واعلم -يا أخي- أن الجلوس إلى عروسك ومحادثتها ليس وقتاً ضائعاً، لاسيما إذا كانت المحادثة تسير في طريق هادف، وتسعى نحو قصد محدود.
بعض الدعاة يكون خارج البيت مع إخوانه الذين يتعاون معهم في الدعوة، وإذا عاد إلى البيت يعود بهم إلى البيت، وكل هذا على حساب رعيته التي رعايتها متعينة عليه! فلابد من التوازن بين الحقوق والواجبات، هذا التوازن قد أرسى قواعده النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المعروف حينما قال: (فأعط كل ذي حق حقه).
فالإنسان له عدة صفات: فهو مسلم مطالب بالصلاة والصيام والزكاة والحج وطلب العلم إلى آخره، وداعية مطالب بكذا وكذا، وزوج مطالب بحقوق للزوجة، ومزور مطالب بحقوق ضيوفه، وأب مطالب بحقوق أولاده، وعليه حقوق لربه عز وجل، وحقوق لصحته، وهكذا (فأعط كل ذي حق حقه)، ولا تعطي البعض وتترك البعض: (فأعط كل ذي حق حقه).
فبعض الناس يرى أن الجلوس مع الزوجة لتوجيهها ومحادثتها وتعليمها وقت ضائع، وهذا كثير ما ينبع من مشكلة موجودة في مجتمعنا وفي تقاليدنا، ويكمن وراءها كثير من المصائب الاجتماعية، وهي مشكلة احتقار المرأة، فبعض الناس تربى على أن المرأة كيان محتقر، لا كرامة لها ولا شخصية ولا قيمة، ويتداولون في ذلك بعض القصص التي لم تصح، وليست من ديننا في شيء، وهي قصص موجودة في بعض كتب الأدب، وليست من القرآن ولا الأحاديث، لكن انظر إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما النساء شقائق الرجال)، ومع ذلك نجد الاحتقار العميق للمرأة، والتكبر عليها، والنظر إليها نظرة ازدراء، مما ينعكس في الاهتمام بها؛ لأنها لا تستحق أصل الاحترام، أو المعاملة الكريمة، أو المجاملة أو غير ذلك، ونسمع أشياء فظيعة جداً من بعض الناس في معاملته لامرأته، ويرى أن الإحسان للمرأة بالكلام الطيب متناف مع الرجولة، ويستنكف أن يكلم المرأة بلطف! ويظن أن ذلك تذلل لها، والمفروض أن يكون شامخاً في السحاب، كيف ينزل إلى مستواها؟! ونسي أن الرسول عليه الصلاة والسلام لما راعى فطرة المرأة في هذا الجانب بالذات جعل الكلمة الطيبة صدقة، يثاب عليها المسلم، بل أعظم من ذلك وأكبر شيء قاله خير مؤدب ومعلم عرفته البشرية صلى الله عليه وآله وسلم: (لا يصلح الكذب إلا في ثلاث: وجعل منها حديث الرجل إلى امرأته)، بمعنى: أنه يمكن أن يكذب عليها ويثاب، كيف هذا مع أن الكذب من الكبائر؟! ليس المقصود بالكذب أن تعدها بشيء ثم لا تفي به، وإنما المقصود به: المجاملة التي لا تكلفك شيئاً سوى أن تخرج كلمة طيبة فقط، وماذا سوف تخسر؟ والذي يمنع الزوج من الإحسان إلى المرأة بالكلام الطيب غالباً أنه الكبر، فهو كامن راسخ في نفسيته، واحتقاره المرأة وازدرائها يكون قد تشربه من الجو المحيط به في تنشئته أو من مصادر ثقافية معينة شوهت عند هذه المفاهيم، مثل أشياء تنسب للإسلام وليست من الإسلام، مثل الحديث الموضوع المزعوم: (شاوروهن وخالفوهن) يعني: شاور المرأة وانظر ماذا تقول، ثم خذ بخلافه، كيف هذا؟! ما أكثر ما تشير المرأة بقول يزن عشرات العقول من الرجال! كما حصل حينما أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بمشورة أم سلمة رضي الله عنها في قصة الحديبية.
وتوجد كثير من الألفاظ سيئة وبذيئة لا نستطيع أن ننطق بها، وكثير من الأشياء الموجودة في التراث فيها تحقير للمرأة، وإهدار لحقوقها ولكرامتها، وأنها كيان كقطعة أثاث في البيت! وأنها ينبغي لها أن تتلقى الإهانة تلو الإهانة، ولا تكترت بذلك ولا تتأثر، وكيف تتأثر وهي امرأة محتقرة ولا كرامة لها؟! النبي عليه الصلاة والسلام أباح للرجل الكذب في حديثه إلى امرأته، فما معنى الكذب؟ ليس معناه أن يعد وعداً فيخلف أو يكذب في شيء خارج دائرة المجاملات، والمجاملات أحياناً نفهمها خطأ، ونتصور أن المجاملة بشيء في أقصى درجته قد يكون مستحباً، لا، المجاملة قد تكون واجبة وفريضة في بعض الأحوال، أليس رد السلام مجاملة وهو واجب؟! قال الله: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء:٨٦]، فهذه مجاملة داخلة تحت حكم شرعي واجب، وتشميت العاطس مجاملة اجتماعية وهي واجبة.
فموضوع المجاملة واسع، قد يكون فيه واجبات، وقد يكون فيه مستحبات، وقد يكون فيه مباحات، فمجاملة المرأة أمر مهم جداً، فالرجل إذا كسب زوجته فإن ذلك في مصلحته، فإنه يستطيع حينئذٍ أن يتعاون معها على تربية أولاده تربية حسنة، ويستطيع أن يؤمن بيته من الزلازل التي تهدد استقراره.
فمن السياسة مع الزوجة المداراة والتلطف والمجاملة حتى لمجرد المصلحة، والمجاملة تدخل تحت إطار الكلمة الطيبة، وليس فيها إخلاف وعد ولا تزوير، بل هي في دائرة المدح كما يقول الشاعر: خدعوها بقولهم حسناء والغواني يغرهن الثناء ففطرة المرأة أنها تحب أن تمدح، فالشرع راعى هذا الجانب، وفطرة المرأة أنها تحب أن تتزين، فاستثنى لها الشرع لبس الحرير والذهب، وهذا كله مراعاة لهذه الفطرة، فالحرير والذهب حرام على الرجال، ومباح وحلال للنساء، وأباح لهن اللعب بالدمى مراعاة لفطرة الأمومة التي تبدأ عندهن منذ الطفولة الباكرة، فمباح للطفلة أن تلعب بالدمى حتى يغذى فيها هذا الشعور، ألم يقل الله تبارك وتعالى: {أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} [الزخرف:١٨]؟! وهذا إشارة إلى طبيعة المرأة حتى وهي طفلة صغيرة، فقد تجد طفلة لم تر تلفازاً ولا خالطت أناساً غير ملتزمين، ومع هذا تحب أن تقف أمام المرآة، وتسرح شعرها، وتلبس كذا، وتريد أن تسمع الثناء على أنها جميلة أو أنها تلبس ملابس جميلة وكذا وكذا.
فالكذب مع المرأة هو مراعاة لهذه الفطرة، فالشرع أباح للرجل أن يكذب في مجاملته لامرأته، كأنه يحبها كذا وكذا وأنه هو العاشق الموله وأنه كذا وما الذي سوف يخسره؟! بل سيكسب بذلك كثيراً جداً، ولا يخسر شيئاً، وإذا ركب رأسه وعاند فإنه سيدفع الثمن؛ لأن سوء العلاقة حتماً سينعكس على تربية الأولاد.
كلما كسب الرجل زوجته كانت الثمرة حسنة جداً في حق الأولاد، ومن المجاملة أن يقول عن طبخها مثلاً: إنه أحسن طبخ في العالم، ويمدح الملابس والشكل، وهذا كله مما يباح الكذب فيه، ويرجى أن يثاب المرء في ذلك، فهل هناك تقدير لنفسية المرأة أكثر من هذا؟! ومع ذلك نجد الحواجز الكثيرة عن هذا بسبب الشعور بالكبر، قال صلى الله عليه وسلم: (الكبر بطر الحق وغمط الناس)، فكيف يتنزل من عليائه لهذا المخلوق الحقير في نظره؟ هو قد لا يقول الحقيقة، لكن سلوكياته تنبئ عن شعور كامل في قلبه باحتقار المرأة وإهدار كرامتها.
فالشاهد: أن الرجل ينبغي له أن يجتهد في معاملة زوجته بالمعروف، ولو بالمجاملة، والعلماء حينما تكلموا عن العشق ذكروا أن هناك عشقاً مباحاً وهو عشق الرجل لامرأته! والعشق: هو صرف المحبة، والزوجة يباح عشقها، والسبيل إليها متيسر شرعاً بخلاف الأجنبية، فعشقها يكون بلاء في الدين والدنيا، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: (لم ير للمتحابين مثل النكاح)، فأحسن حل إذا حصل العشق هو الزواج.
الشاهد من هذا: أن العلماء ذكروا أن عشق الزوجة هو العشق المباح؛ لأنه لا ضرر فيه، ولا يوصل إلى حرام من خلوة محرمة ونحو ذلك، وإنما هو حلال، والشريعة اتخذت كثيراً من الإجراءات التي توطد العلاقة بين الزوجين.
يقول الدكتور الصباغ حفظه الله تعالى: لا تنشغل طويلاً عن أهلك، واعلم أن الجلوس إلى عروسك ومحادثتها ليس وقتاً ضائعاً لاسيما لو تأملنا الحديث في الحالات التي أبيح فيها السمر بعد العشاء، وهي طلب علم أو مؤانسة ضيف أو محادثة أهل.
وفي الحديث: (كل شيء ليس من ذكر الله فهو لهو ولعب إلا أربع: وذكر منها: وملاعبة الرجل امرأته)، فاللعب مع المرأة ليس من اللهو الباطل، بل هو مما يعين على الحق، ويعين على العفاف، لاسيما مع حديث العهد بالزواج، فإنه يحتاج إلى نوع من الألفة في المراحل الأولى، والشرع لم يهمل هذا، فقد خصص الشرع للزوجة الثانية أسبوعاً كاملاً يلازمها زوجها إذا كانت بكراً، ولا يذهب للزوجات الأخريات؛ ليحصل الائتلاف وزوال الوحشة بينهما في هذه الفترة.
وبعض الناس قد يغالي في فهم هذا الحكم، فبعضهم لا يخرج لصلاة الجماعة، فهذا غلو، والمقصود أنه لا يترك المبيت الذي هو الأساس.
يقول الصباغ: إنك بذلك تفهم زوجك، وتطيق لها أيضاً أن تفهمك، وهذا الفهم هو الخطوة الأولى للمعاشرة الحسنة، وكم رأينا في واقع الناس أزواجاً يقضون العشر والعشرين من السنين ولا يفهم أحدهما الآخر، وكان ذلك سبباً من أسباب النكد والشقاق.
إنك يا أخي بجلوسك إلى أهلك ومحادثتك إياها تفسح المجال لك لتقنعها بكثير من آرائك التي تبدو غريبة عليها بادئ الأمر.
فبعض الناس يشتكي من زوجته، ويريد أن تلتزم أو يشتكي أنها تقصر في كذا وكذا، فحينما تسأله: ما الدور الذي قمت به كي توجهها وتحبب إليها الحق؟ كيف علمتها؟ لا تجد شيئاً، وقد تجد من يريد أن يعذر نفسه فيقول: كلمتها ولم تستجب! هذا فقط! إن تنويع أساليب الدعوة مهم كالرفق والتلطف، والكلام بالمعروف وبالتي هي أحسن، وهذا لا أثر له ولا وجود له، ويريد البيت مثل الثكنة العسكرية، أوامر ضابط لجندي فقط، ويريد أنه يأمر والزوجة تسمع وتطيع.
يقول الصباغ: الكلام أول مرة لا يترك الأثر المطلوب، ولا يلمس الإنسان نتيجته، ولكن التكرار، وحسن اختيار الوقت المناسب، والأسلوب المناسب في عرض الفكرة، وضرب الأمثلة الكثيرة؛ لابد أن يترك أثراً كبيراً في الإنسان.
واعلم -يا أخي- أن الحديث الطويل الهادف غير الممل، والمؤانسة المهذبة؛ يمدان الحياة الزوجية بالقوة والنماء وأفضل الغذاء، ولتضع نصب عينك ما رواه عقبة بن عامر رضي الله عنه قا