للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[بيان بعض ضلالات الصوفية]

لقد عهدنا في الصوفية أسلوب الترهيب من الإنكار على مخالفيهم لصريح شرع الله، وذلك أنهم يلفقون قصصاً لا أصل لها ليخوفوا بها من ينكر عليهم، قال النبهاني: قال المناوي: قال لي فقيه عصرنا -أي: فقيه عصره- شيخنا الرملي: إن بعض المنكرين رأى أن القيامة قد قامت، ونصبت أوانٍ في غاية الكبرَ، وأغلي فيها ماء يتطاير منه الشرر، وجيء بجماعة ضبائر ضبائر، فوضعت فيه حتى تهرى اللحم والعظم، فقال: من هؤلاء؟ قال: الذين ينكرون على ابن عربي وابن الفارض!! ومن ابن عربي وابن الفارض حتى يعذّب هذا العذاب كل من ينكر عليهما كما يزعمون؟ إن ابن عربي يقول في كتابه (فصوص الحكم): فيحمدني وأحمده ويعبدني وأعبده ففي حال أقر به وفي الأعيان أجحده ولو أردت زيادة لتعرف من هو ابن عربي -الذي يرهبوننا ويخوفننا من أن ننكر عليه- فاسمع ما يقول: فلولاه ولولانا لما كان الذي كانا وإنا عينه فاعلم إذا ما قلت إنسانا فلا تحدق بإنسان فقد أعطاك برهانا فقل حقاً وكن خلقاً تكن بالله رحمانا وقال أيضاً: العبد ربّ والربّ عبد فليت شعري من المكّلفْ إن قلت عبد فذاك رب أو قلت ربّ أنى يكلّف وبما أن حكاية الكفر ليست بكفر فنذكر مقالته الكفرية -والعياذ بالله- حيث يقول: وما الكلب والخنزير إلا إلهنا وما الله إلا راهب في كنيسة هذا هو ابن عربي الذي يعظمونه، ويقولون: احمل كلامه على غير ظاهره! أما ابن الفارض فهو الذي ينادي ربه مخاطباً إياه -سبحانه وتعالى- بضمير المؤنث! وهو يقول: لها صلواتي بالمقام أقيمها وأشهد فيها أنها لي صلت كلانا مصلّ واحد ساجد إلى حقيقته بالجمع في كل سجدةِ وما كان بي صلى سواي ولم تكن صلاتي لغيري في أدا كل ركعةِ وما زلت إياها وإياي لم تزل ولا فرق من ذاتي لذاتي أحبّتِ فالصوفية يظنون أن الناس لا ينكرون هذا التحريف لحقائق وأصول دين الإسلام، فيذكرون مثل هذه الروايات المكذوبة حتى على النبي صلى الله عليه وسلم، ولا حيلة لهم بغير هذا الطريق؛ لأنه ليس لهم سلاح غير المنامات والتخويف الكلامي، أما السنّة والعلم والأدلة فلا يستطيعون أن يرفعوا بذلك رأساً؛ لأن مثل هذه الكتب وهذه الأفكار تضمنت من العجائب ما يشهد على رده الأدلة الشرعية، بل الأدلة قائمة ضدها، فإذا عجز أحدهم عن القيام في حلبة العلم ومواجهة الأدلة بالأدلة والحجة بالحجة لجأ إلى الأحلام وإلى الاختلاق الصوفي.

ويأتي العيدروس بشواهد على كتاب الإحياء وتعظيمه، حتى إنه ينسب إلى الإمام النووي رحمه الله تعالى أشياء لا يمكن أن تصح عن الإمام النووي، منها أنه قال: كاد الإحياء أن يكون قرآناً! وقال: أجمع العلماء العارفون بالله على أنه لا شيء أنفع للقلب وأقرب إلى رضا الرب من متابعة حجة الإسلام الغزالي ومحبة كتبه.

ونحن لا نتكلم في الإمام أبي حامد، فإنه إمام، ونسأل الله أن يعفو عنه ويجزيه خيراً؛ لأنه له آراء مشرقة في هذا الكتاب وفي غيره، وإنما نتكلم عن المواضع المخالفة للكتاب والسنة.

وقال العيدروس: قال الشيخ الكازروني: لو محيت جميع العلوم لاستُخرِجَتْ من الإحياء.

ونقل عن علي بن أبي بكر السقاف قوله: لو قلّب أوراق الإحياء كافر لأسلم! يقول الأستاذ دمشقية: لكنني أتساءل: أي كافر من الملل الأخرى اجترأ أن يوافق أبا تراب النخشبي في قوله: لئن رأيت أبا يزيد مرة واحدة كان أنفع لك من أن ترى الله سبعين مرة؟! هل هناك كافر عندما يسمع هذا الكلام يسلم؟ ومن منّا يوافق أبا يزيد البسطامي في قوله حين قال له رجل: سبحان الله.

فقال له: قولك: سبحان الله شرك؛ لأنك عظّمت نفسك فسبّحتها وما سبحتَ ربك؟! فهل هذه الأقوال تنقل الكافر من الكفر إلى حظيرة الإسلام، ولم نقصد التوسع في هذا الأمر، لكن هذا خلاصة.

ومما ينبّه عليه -أيضاً- أن العيدروس يعتبر كتاب الإحياء أشبه بصكوك الغفران التي كانت تباع بها الجنة أيام الكنيسة الرومانية! لقد كان ضمان الجنة أو الحرمان منها من قبل البابا، وكلمة (البابا) كلمة فيها تعظيم عند النصارى لكافر نجس، فهم يعظمونه بكلمة (البابا)، وهي تعني أباهم هُم، ونحن لا نعترف بها؛ لأن فيها تعظيماً لهذا الشخص المعادي لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم.

فكان بابواتهم في الكنيسة الرومانية يحجزون للناس أماكن في الجنة حسب النقود التي يدفعونها لهم كما يزعمون.

وهذه الخدعة الموجودة عند النصارى أصبحت تتكرر عند الصوفية، وتزداد لمن يحصّل كتاب الإحياء عند العيدروس.

يقول الشيخ عبد الوهاب الشعراني في طبقات الأولياء: إن الشيخ مدْيَن الأشموني جاءته امرأة، وقالت له: هذه ثلاثون ديناراً وتضمن لي على الله الجنة.

فقال الشيخ موافقاً لها: هذه لا تكفي! فقالت: لا أملك غيرها.

فضمن لها على الله دخول الجنة، فماتت فبلغ ورثتها ذلك، فجاءوا يطلبون الثلاثين ديناراً من الشيخ، وقالوا: هذا الضمان لا يصح.

فجاءتهم في المنام وقالت لهم: اشكروا لي فضل الشيخ؛ فإني دخلت الجنة.

فرجعوا عن الشيخ.

وهذا الشيخ أحمد الرفاعي يطلب شراء بستان من صاحبه، فيقول له صاحب البستان: تشتريه مني بقصر في الجنة؟ فقال: من أنا حتى تطلب مني هذا يا ولدي؟! اطلب شيئاً من الدنيا.

فقال: يا سيدي! شيئاً من الدنيا لا أريد، فإن أردت البستان فاشتره بما أطلب.

فنكّس السيد أحمد الرفاعي رأسه ساعة، واصفر لونه وتغير، ثم رفع وقد تبدلت الصفرة احمراراً، وقال: يا إسماعيل! قد اشتريت منك البستان بما طلبت.

فقال: يا سيدي! اكتب لي خط يدك.

فكتب له السيد أحمد الرفاعي ورقة فيها: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما اشترى إسماعيل بن عبد المنعم من العبد الفقير الحقير أحمد بن أبي الحسن الرفاعي ضامناً على كرم الله تعالى قصراً في الجنة، تجمعه حدود أربعة، الأول إلى جنة عدن، والثاني إلى جنة المأوى، والثالث إلى جنة الخلد، والرابع إلى جنة الفردوس، بجميع حوره وولدانه، وفرشه وستره، وأنهاره وأشجاره، عوض بستان في الدنيا، وله الله شاهد وكفيل! فهذه بعض الأمثلة التي تبين ألاعيب القوم التي شابهت إلى حد كبير الرهبنة، والغلو في الدين وفي الرجال، وأكاذيب الكنيسة وأربابها، وبيع العقارات في الجنة هو من جملة هذا التقارب والتشابه، فلا البابا -كما يسمى- قادر على ضمان الجنة لأحد، بل ولا لنفسه، ولا الشيخ عبد الله العيدروس، ولا عبد القادر العيدروس، ولا أحد قادر على ضمان الجنة لأحد، بل ولا لنفسه، فقد جاء في الحديث الصحيح ما يفيد نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن تزكية الأخ أخاه، فكيف بمن يضمن للناس الجنة؟! بل ومن يريهم إياها، كما فعل الشيخ العيدروس في عبد الله بن أحمد بن كثير! ولما توفي عثمان بن مظعون رضي الله عنه وكفّن في أثوابه دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت أم العلاء الأنصارية: رحمة الله عليك أبا السائب، فشهادتي عليك لقد أكرمك الله -تقول ذلك لـ عثمان - فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (وما يدريك أن الله أكرمه؟).

وهذا كقول بعض الناس لمن يموت: لقد استراح.

! وما يدريك أنه استراح؟! هل الإنسان اطلع على الغيب؟! هل بمجرد أنه كان مريضاً أو عانى في دنياه يقال: فلان استراح، وربنا أكرمه؟! إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (وما يدريك أن الله أكرمه؟ فقالت: بأبي أنت يا رسول الله، فمن يكرمه الله؟!) أي: إذا ما أكرم الله عثمان بن مظعون فمن سيكرم؟! فقال عليه السلام: (أما هو فقد جاءه اليقين، وإني لأرجو له الخير، والله ما أدري -وأنا رسول الله- ما يُفعل بي) أي: في الدنيا، أما في الآخرة فإنه يعرف.

فقالت أم العلاء: فوالله لا أزكي أحداً بعده أبداً.

فكيف لو يعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قوماً يضمنون الجنة للآخرين بمجرد قراءتهم كتاباً؟! قال الموافق لمصنفه والمخالط له: أنه ملئ بمادة الفلسفة وشيء من رسائل إخون الصفا، وفيه متناقضات كثيرة.

وقد ولى كل إلى ربه وحسابه على الله، ونرجو للمسلمين جميعاً الخير، لكن هذا كان مجرد بيان، كي لا نتردد في بيان الحق، ولا نأبه بمثل ما يسمى عصا العيدروس أو أنصار العيدروس ممن يخالفون الكتاب والسنة، ويلوحون بهذه العصا لمن اجترأ على انتقادهم وكشف زيفهم بأدلة الكتاب والسنة.

اللهم! اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلّغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهوّن به علينا مصائب الدنيا، ومتعنا بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يرحمنا، سبحانك -اللهم- وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.