[الفتوحات الإسلامية مصداق للنبوة]
لقد تنبأ النبي صلى الله عليه وسلم بكثير من هذه الفتوحات، ووقع منها الكثير بفضل الله سبحانه وتعالى، وما لم يقع فسيقع مصداقاً لكلامه عليه الصلاة والسلام، من هذه الفتوحات التي أخبر بها الوحي فتح خيبر وفتح مكة، ودخل الناس في دين الله أفواجاً، سواء من اليمن أو من غيرها، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بفتح بلاد العرب، أخبر بفتح مصر، فعن أبي بكر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنكم ستفتحون مصر، وهي أرض يسمى فيها القيراط، فإذا فتحتموها فأحسنوا إلى أهلها، فإن لهم ذمة ورحماً، أو قال: ذمة وصهراً)، رواه مسلم.
وروى مسلم وأبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (منعت العراق درهمها وقفيزها، ومنعت الشام مديها ودينارها، ومنعت مصر إردبها ودينارها، وعدتم من حيث بدأتم، وعدتم من حيث بدأتم، وعدتم من حيث بدأتم، شهد على ذلك لحم أبي هريرة ودمه).
أما قوله: (منعت) فله معنيان: أحدهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنهم سيسلمون ويسقط ما عليهم بإسلامهم، فصاروا بإسلامهم مانعين ما كان عليهم من الوظائف، واستدل على هذا بقوله: (وعدتم من حيث بدأتم) لأنهم في علم الله وفي قضائه وقدره أنهم سيسلمون، فعادوا من حيث بدءوا.
الثاني: أنهم يرجعون عن الطاعة، قال أبو هريرة رضي الله عنه: (كيف أنتم إذا لم تجدوا ديناراً ولا درهماً؟! فقيل: وكيف ترى ذلك كائناً؟! قال: إذاً والذي نفسي بيده عن قول الصادق المصدوق أنه قال: تهتك حرمة الله وذمة رسوله، فيصب الله على قلوب أهل الذمة فيمنعون ما في أيديهم) رواه البخاري.
وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (إنه لا يبقى بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل الله به الكفر) أي أنه لا تقوم الساعة حتى يعم دين الإسلام الأرض كلها.
وعن عبد الله بن الزبير عن سفيان بن أبي زهير أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يفتح اليمن فيأتي قوم يبسون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، ثم يفتح الشام فيأتي قوم يبسون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، ثم يفتح العراق فيأتي قوم يبسون ويتحملون بأهليهم ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون).
والمقصود من هذا الحديث أنه صلى الله عليه وسلم أخبر بفتح اليمن والشام والعراق، وما فتحت هذه البلاد إلا من بعده صلى الله عليه وسلم إلا اليمن، ويؤيد هذا ما ذكره ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة إذ قال: الله أكبر، الله أكبر جاء نصر الله والفتح، جاء أهل اليمن، قيل: يا رسول الله! وما أهل اليمن؟ قال: قوم رقيقة قلوبهم، لينة طباعهم، الإيمان يمان، والفقه يمان، والحكمة يمانية).
وبعد فتح مكة جاءت الوفود التي دخلت في دين الله أفواجاً العام التاسع من الهجرة، وجاء وفد اليمن، وأرسل النبي صلى الله عليه وسلم عماله إلى اليمن بعد فتح مكة، وقدم عليه علي رضي الله عنه من اليمن في العام العاشر في موسم الحج، ففتحت اليمن بعد فتح مكة في حياته صلى الله عليه وسلم.
فهذا كله يؤيد أن الفتح هنا عام في كل فتح، وليس فقط فتح مكة، وهذا يؤخذ بدلالة الإيماء وبدلالة الإشارة.
وقوله: (وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا) فيه وعد بفتوحات كثيرة لمناطق شاسعة؛ لأن الله سبحانه وتعالى أخبر -كما في سورة الحج- أن الناس يأتون للحج من كل فج عميق، فقال سبحانه: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ} [الحج:٢٧ - ٢٨].
فهذا يدل على أن الناس سوف يأتون إلى الحج من أماكن بعيدة، وهذا الإتيان إلى الحج يدل على أن الإسلام قد انتشر في تلك البلدان البعيدة.