للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عهود المسلمين مع غيرهم وموقف الإسلام منها]

إذا أعطى المسلمون غيرهم عهداً من العهود أو الدخول تحت ذمة المسلمين أو أمانهم فإنه يجب الوفاء بالعهد، وأن يستقيم المسلمون على العهد ما استقام لهم الكافرون، ولذلك جاء النهي عن الغدر والأمر بالوفاء للمعاهد، ونصوص ذلك كثيرة في القرآن والسنة، يقول عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة:١]، ويقول عز وجل: {إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} [التوبة:٤] وقال عز وجل: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الممتحنة:٨ - ٩] ويقول عز وجل: (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة:٨].

فالمسلمون هم الفئة التي إذا غلبت عدلت ولم تظلم، بخلاف غيرهم، فإنهم كما قال الله عز وجل عنهم: {إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ} [الكهف:٢٠] ويقول عز وجل: {كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلا ذِمَّةً} [التوبة:٨] كما يحصل الآن في العالم كله من تواطؤ على ذبح المسلمين وإحراقهم وتجويعهم وإضعافهم وإنهاك قواهم، وهذا ليس جديداً علينا، فنحن نقرأ القرآن، وهذا موجود في القرآن فقوله تعالى: {كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ} [التوبة:٨] أي: كيف إذا كان لهم الغلبة والعلو؟! {لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ} [التوبة:٨].

وإننا نلاحظ سماحة الإسلام في التعامل مع العصاة والمخالفين، فقد قال عليه الصلاة والسلام: (لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ثم أتى بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم) كما بين أن المعاصي درجات، وأن كل عاص يعامل حسب جرمه، وأنه لو عومل جميع الناس بالزجر والضرب والهجر لكان ذلك سبباً في نفورهم من الدين.

يقول عز وجل: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} [آل عمران:١٥٩] فهذا هو رسول الله عليه الصلاة والسلام يقول الله له: (وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) فالشأن مع العاصي والمخطئ ليس زجره وتكفيره، بل دعوته إلى التوبة وتصحيح المسار وبيان وجه الخطأ الذي وقع فيه، فهذه كانت مقدمة فيما يتعلق ببيان سماحة الإسلام ويسره.

ويبقى الكلام على معنى الغلو في اللغة ومعنى الغلو في الشرع.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، سبحانك -اللهم ربنا- وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.