[الجواب عن أدلة من لا يوجب العدد في الاستنجاء بالأحجار]
الجواب على من استدل بحديث أبي هريرة: (من استجمر فليوتر، من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج) أن معنى قوله: (ومن لا فلا حرج) أي: فلا حرج في ترك الإيتار؛ وهو محمول على الإيتار الزائد على ثلاثة أحجار؛ حتى نجمع بين هذا الحديث وبين الأحاديث الأخرى التي اشترطت الثلاثة الأحجار، فلو حصل الإنقاء بأقل من ثلاثة أحجار فلابد أن يجعلها ثلاثة أحجار.
والدليل على هذا المذهب الصحيح هو حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما أنا لكم مثل الوالد، فإذا ذهب أحدكم إلى الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها بغائط ولا بول، وليستنج بثلاثة أحجار).
فنجمع بين قوله: (وليستنج بثلاثة أحجار) وبين قوله: (من استجمر فليوتر) أي: فليوتر، ولا يوتر بأقل من ثلاثة أحجار.
ومن الأدلة حديث سلمان رضي الله عنه: (أن رجلاً قال لـ سلمان: إن نبيكم علمكم كل شيء حتى الخراءة -أي: آداب التخلي- فقال: أجل نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار) رواه مسلم في صحيحه.
أيضاً حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه بثلاثة أحجار يستطيب بهن فإنها تجزئ عنه) يقول النووي: هذا حديث صحيح رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة والدارقطني وقال: إسناده حسن صحيح.
واحتج أصحاب الشافعي بحديث ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبرين فقال: إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستنزه من بوله)، وفي رواية: (لا يستبرئ من بوله) رواه البخاري ومسلم.
يقول الإمام النووي: في الاستدلال به نظر؛ لأن الدعوى هي أن من استنجى بأقل من ثلاثة أحجار داخل في هذا الحديث، وأنه لم يستبرئ من بوله، والدعوى يستدل لها ولا يستدل بها.
أيضاً من الأدلة قول ابن مسعود رضي الله عنه: (أتى النبي صلى الله عليه وسلم الغائط، فأمرني أن آتيه بثلاثة أحجار، فوجدت حجرين والتمست الثالثة فلم أجد، فأخذت روثة فأتيته بها، فأخذ الحجرين وألقى الروثة وقال: إنها ركس) رواه البخاري هكذا.
وروى أحمد والدارقطني والبيهقي في بعض رواياته زيادة قال: (فألقى الروثة وقال: ائتني بحجر) يعني: ائتني بحجر ثالث.
وفي بعضها: (ألقاها -أي: الروثة- وقال: ائتني بغيرها).
ألقى الروثة وقال: (ائتني بغيرها).
وأيضاً حديث النبي عليه الصلاة والسلام: (من استجمر فليوتر) هذا متفق عليه، لكن هناك رواية لنفس هذا الحديث للإمام أحمد والبيهقي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا استجمر أحدكم فليستجمر ثلاثاً) قال البيهقي: هذه الرواية تبين أن المراد بالإيتار في الرواية الأولى ما زاد على الواحدة، فما هو الوتر الذي يزيد عن الواحدة؟ إنه الثلاث، فيكون الإيتار بالثلاثة الأحجار واجباً، والإيتار بعد الثلاث يكون مستحباً.