للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سبب خوف المنافقين والعلمانيين من هذا الدين]

إذاً: فلا نعجب من هؤلاء الكفار شرقيين كانوا أم غربيين, فهم أعداء الإسلام، وهذا ديدنهم، وهذه سنتهم, ولكن العجب الذي لا ينقضي هو من هؤلاء الذين يخافون الإسلام ويكرهونه، ويحقدون عليه مع أنهم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا، ويتسمون بأسمائنا, فإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوبهم، وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون, {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا} [الحج:٧٢] , وإذا رأوا بذرة الإيمان تنمو وتترعرع في شباب المسلمين انقبضوا وتجمعوا لاقتلاعها, وإذا رفع الموحدون لا إله إلا الله رفع أولئك شعارات الوطنية والقومية والوحدة والحرية وغير ذلك من الشعارات.

إن عجبنا يزول إذا فهمنا طبيعة العلاقة بين الفريق الأول: الكفار، والفريق الثاني: المنافقين الزنادقة, إنها صفقة تمت بين الاستعمار وبين أنفار، والمعقود عليه هم المسلمون، وتنفيذ العقد مرهون بالقدرة على التسليم، والإسلام يحرض المعقود عليه على الانعتاق من قبضة السمسار، فكيف لا يخاف السماسرة من الإسلام! فهؤلاء المنافقون هم السمسار، وهم التجار المنتفعون من غياب الإسلام: صحافيون شعراء فنانون مؤلفون مخرجون لا يطيقون الإسلام, كيف لا يخافونه وهو يعظم ما حقروه, ويحقر ما عظموه؟! وكيف لا يخافونه وهو يرفع ما وضعوه، ويضع ما رفعوه؟! من أجل ذلك صارت جميع وسائل التأثير مسخرة لهؤلاء الكارهين لما أنزل الله, حتى إن الناظر من بُعد لكأنه يرى أن مصر انقلبت برجالها ونسائها إلى فنانين وراقصين وممثلين، وكأن كل ما فيها هو الإلحاد والزندقة، وبيع الأعراض، والطعن في الدين، والكفر برب العالمين، فكأن هذه هي صورة مصر؛ وذلك من كثرة استيلاء هؤلاء الزنادقة على مواقع التأثير, وكأن الغرب يستعجلهم ويقول لهم: هيا سلموا المبيع, نريد شعوباً هذه مواصفاتها, نريد شعوباًَ لا تتحرك ولا تنفعل حتى وإن قُطّعت إرباً إرباً.

فقد تربت طائفة من أبناء المسلمين على مائدة الإعلام الذي يديَّث المجتمع، ويخنزر الأخلاق, فكانت حصيلة ذلك ظهور طائفة أخرى لبسوا لباس الثقافة أو ألبسوا لباس الثقافة والعلم، ولا يعرفون عن الإسلام إلا الشبهات التي لقنوها، وزرع في قلوب أصحاب الشهوات منهم الخوفَ والحقدَ على الإسلام.

وحتى نكون صرحاء جداً في تناول ظهور وحقيقة هذا الموقف الذي نعيشه, فنقول: ليس هذا في مصر فقط ولكن في كل بقاع العالم بلا استثناء, فهم يحاولون أن يتسللوا إلينا ويغزونا عبر دين جديد، وهو غير دين الإسلام، وهذه هي الحقيقة بلا مواربة ولا خداع, فيجب أن تكشف هذه الحقيقة للناظرين؛ ليهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حي عن بينة، {وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} [الأنعام:٥٥]، وهذا الدين الجديد اسمه العلمانية أو اللادينية, فهم يبشرون به، ويخدمونه، ويضحون في سبيله.

فالعلمانية دين كأي دين باطل يطلق عليه لفظ الدين، أي: منهج حياة, يقول تعالى في خطاب الكافرين: {لَكُمْ دِينُكُمْ} [الكافرون:٦]، ويقول تعالى في حق العزيز: {مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ} [يوسف:٧٦] , فهذا دين مغاير ومخالف تماماً لدين الإسلام في أصوله فضلاً عن فروعه، وهو معادٍ للإسلام على طول الخط, ولا يمكن أبداًً أن تلتقي العلمانية بالإسلام, فهناك أوجه افتراق عظيمة جداً بين الدينين: الدين السماوي الحق وهو دين الإسلام، وهذا الدين الأرضي المصنوع وهو دين العلمانية, فنبيّن هذه الفروق إن شاء الله تبارك وتعالى, فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر.

فتجدهم يسمون الكفر إسلاماً، ويسمون عدواً لله ولرسوله وللإسلام بالداعية الإسلامية الكبير، والمفكر الإسلامي المستنير، فبماذا يستنير؟ الاستنارة عندهم غير مأخوذة من قوله تبارك وتعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [إبراهيم:١]، ولا من قوله تبارك وتعالى: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [البقرة:٢٥٧]، ولكن لا يكون الإنسان عندهم مستنيراً حتى يتبنى أركان وأسس ومبادئ دينهم العلماني كما سنبينها.