[شمول الإسلام لمعنى الاستسلام والسلامة ودين كل الأنبياء والرسل]
إذا بحثت في لغة العرب عن كلمة تعبر عن الاستسلام والسلامة، لوجدت أن الاستسلام: هو الخضوع والإذعان والانقياد لحكم الله ولأمره، والسلامة: هي السلامة من الشرك والإخلاص في التوحيد، فلا توجد في لغة العرب كلمة تعبر عن هذين المعنيين سوى كلمة الإسلام.
فإن الإسلام لله هو التعبير الوحيد الذي يمكن أن نعبر به عن الدين المرضي الذي يقبله الله سبحانه وتعالى ويعتبره، فهذا هو القاسم المشترك بين رسالات جميع الأنبياء عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام.
فالأنبياء دعوا إلى توحيد الله سبحانه وتعالى، والسلامة والبراءة من الشرك، ودعوا إلى الانقياد لشرائع الله التي أنزلت على هؤلاء الرسل والأنبياء، فهذا يعبر عنه بكلمة واحدة وهي الإسلام لله، ولما صارت مشهورة عندنا جداً صار اسمه الإسلام؛ لأنه صار معروفاً أنه لا يكون إلا لله عز وجل.
إذاً: فهذا هو القاسم المشترك بين جميع الأنبياء، وهذا هو وحده الدين الذي نستطيع أن نقول: إنه كان دين نوح وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ومن تبعهم من المؤمنين، أي: التوحيد لله والسلامة من الشرك، والاستسلام والخضوع لأوامر الله سبحانه وتعالى وشرائعه، من أجل ذلك لم يكن لفظ الإسلام اسماً علماً على الدين الخاتم فقط، ولكنه في الحقيقة هو التعبير الوحيد عن جوهر جميع الرسالات السماوية، بما في ذلك رسالتي موسى وعيسى عليهما السلام، ولم يكن وصف المسلمين مجرد لفظ لأتباع رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، بل هو معنى عام للإسلام والمسلمين دلت عليه عشرات النصوص كما سنبين فيما يلي: يقول تبارك وتعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} [آل عمران:١٩]، فالإسلام العام هو الإسلام الذي كان دين آدم ونوح وإدريس وهود وشعيب وصالح وجميع الأنبياء عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام، فالله تعالى لم يقبل من أحد قبل محمد عليه الصلاة والسلام، ولا يقبل من أحد بعده غير دين الإسلام، فمن يلقى الله بغير الإسلام فلن يقبل منه، وهو في الآخرة من الخاسرين.
ويقول عز وجل: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة:١١٢].
وقال سبحانه وتعالى حاكياً دعاء إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ} [البقرة:١٢٨].
وقال عز وجل: {فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ} [آل عمران:٢٠].
وقال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [النساء:١٢٥].
وقال جل وعلا: {قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:٧١].
وقال أيضاً: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ} [الحج:٣٤].