يقول: ولكي تتوفر للقارئ الصورة المقربة لأعباء الشيخ أضع بين يديه هذه القائمة التي تكاد تستوعب عمل اليوم والليلة من واقعه الذي يوشك ألا يتغير.
يبدأ دوام الشيخ الرسمي قرابة الساعة التاسعة من ضحى كل يوم، فإذا ما وافى مقر الرئاسة وجد المراجعين يملئون الأمكنة المعدة لهم بانتظاره، فيحييهم، ويستقبل مصافحيه ومعانقيه منهم، ثم يأخذ مكانه، وإلى جانبيه كاتبان مع كل منهما كدس من الأوراق المقدمة من هؤلاء، وكثير من يجتزئ عن الكتابة بالعرض الشفهي، فيبدأ بالاستماع إلى مضمون كل معروض على حدة، حتى إذا ما فرغ الكاتب من التلاوة المهموسة أملى عليه التعليق الذي يراه الشيخ، فإذا ما استوفى الكاتب بعض أوراقه تركه يستريح، والتفت إلى الآخر الذي يشرع في عرض ما لديه، وتلقي ما يملي عليه، وهكذا حتى تنفذ العرائض أو يحين وقت صلاة الظهر.
وقد تكون هناك اجتماعات لبعض اللجان تستدعي حضوره فينهض إليها، ثم يعود ليستقبل بقية المراجعين المشافهين، وكثيراً ما يمتد دوامه هذا إلى ما بعد انصراف الموظفين، فيظل هو ومن لابد من بقائه من مساعديه حتى ينطلق إلى البيت مع ضيوفه الذين لا يخلو غداء له ولا عشاء من بعضهم، وبعد الطعام يدعو بالقهوة والطيب، ويتحدث إلى جلسائه المرافقين والمنتظرين في مصالحهم، حتى إذا وافى موعد صلاة العصر أخذ سبيله إلى المسجد فصلى وراء الإمام في المدينة أو صلى بالناس في مسجد الرياض الكبير، وكثيراً ما رأيته يعقب الصلاة بموعظة قصيرة، ثم يعود إلى المنزل لمواصلة ما انقطع من حديث أو استقبال مراجعين جدد، وقل ما يخلو ذلك الوقت للقراءة في بعض الكتب القديمة، يتلوها عليه بعض المشايخ من خاصة طلبته، إلى ميعاد المغرب فيمضي معهم إلى المسجد، ثم يعود معهم إلى المنزل من قراءة والنظر في شئون الناس حتى وقت العشاء، وبعد أداء الصلاة يتناول مع الحضور طعام الليل، ثم يقبل عليه أحد مساعديه في المعاملات الخاصة بالمساجد ونحوها فيستمع ويملي، ولا يزال بين قراءة وإملاء وحديث في المكان حتى وقت متأخر، وقلما يتاح له الإخلاد إلى النوم قبل منتصف الليل! ويحين موعد صلاة الفجر في اليوم التالي فيتهيأ لها، ثم يأخذ كنفه إلى المسجد مع مرافقه، فإذا ما عاد إلى المسكن جلس يجيب في الاستفتاءات الواردة إلى مكتب البيت من مختلف الأرجاء والأقطار، فإذا فرغ منها نظر في طلبات المستشفعين من أصحاب الحاجات، فأوردها مواردها اللازمة، وهنا يوافيه موعد الدوام الرسمي فينهض إليه على عادته التي وصفناها.
هذه هي الصورة المقاربة ليوميات الشيخ، نقلنا بعضها من مشاهدتنا، ومعظمها عن أخ كريم طويل الصحبة له، ومن حق القائل أن يستشعر العجب بإزاء هذه الوقائع التي تكاد لا تصدق، ولكنها مع ذلك حقيقة يعرفها عن الشيخ كل من خالطه عن كثب.