[تضعيف بعض العلماء لحديث (افتراق الأمة) والرد عليهم]
عن معاوية رضي الله تعالى عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فينا فقال: (ألا إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على اثنتين وسبعين ملة، وإن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين، ثنتان وسبعون في النار، وواحدة في الجنة، وهي الجماعة) هذا الحديث قال فيه الحاكم بعد ما ساق أسانيده: هذه أسانيد تقوم بها الحجة في تصحيح الحديث، ووافقه الذهبي، وقال شيخ الإسلام: هو حديث صحيح مشهور، وصححه الشاطبي في الاعتصام.
وبعض العلماء أشار إلى تضعيف زيادة في الحديث وهي (كلها هالكة إلا واحدة) وأيضاً: (ثنتان وسبعون في النار)، وهذا مشهور عن الشوكاني وابن الوزير وابن حزم، بل صديق حسن استحسن قول من قال: إن هذه الزيادة من دسيس الملاحدة، فإن فيها التنفير عن الإسلام، والتخويف من الدخول فيه.
إذاً: بعض العلماء نظر إلى متن الحديث فاستنكره، وظن أن هذه الزيادة:(ثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة) من دسيس الملاحدة، وإن فيها التنفير عن الإسلام، والتخويف من الدخول فيه.
وهذا في الحقيقة ليس صحيحاً فمن ناحية صحة الحديث فالنقد العلمي الحديثي دل على صحة هذه الزيادة، فلا عبرة بقول من ضعفها كما بين ذلك العلامة الألباني رحمه الله تعالى، والذين صححوا هذا الحديث أكثر وأعلم من ابن حزم رحمه الله تعالى، فلا ينبغي أن يحتج بتضعيفه، فهو معروف في نقد الأحاديث إذا انفرد فكيف وقد خالفه هؤلاء الأئمة، وابن الوزير يرد الحديث من جهة المعنى لا من جهة الإسناد، فذكر أن هذا الحديث يقتضي أن الذي يدخل الجنة من هذه الأمة قليل، والنصوص الصحيحة تدل على أن الداخلين من هذه الأمة الجنة كثير يبلغون شطر أهل الجنة كما صح في الحديث، والرد على هذا من وجوه، منها: ليس معنى انقسام الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة أن يكون أكثر الأمة في النار؛ لأن أكثر الأمة عوام، وهم لم يدخلوا في تلك الفرق، وإنما هم تبع لعلماء أهل السنة، والذين افترقوا وأصلوا وقعدوا مخالفين للسنة هم قليل بالنسبة للذين جانبوا ذلك كله.
أيضاً ليس كل من خالف أهل السنة في مسألة من المسائل يعد من الفرق المخالفة للسنة، بل المراد بهم الذين تبنوا أصولاً تجعلهم فرقة مستقلة بنفسها، وتركوا بسبب هذه الأصول كثيراً من نصوص الكتاب والسنة كالخوارج والمعتزلة والرافضة، أما الذين يتبنون الكتاب والسنة، ولا يحيدون عنهما، فإنهم إذا خالفوا في مسألة من المسائل لا يعدون بذلك فرقة من الفرق.
بعض الفرق يصل ضلالها إلى حد الكفر، فهؤلاء يكونون خالدين في النار كغلاة الباطنية الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر، كالإسماعيلية والدروز والنصيرية ونحوهم، ومن هذه الفرق من خالف أهل السنة في مسائل كبيرة عظيمة لكنها لا تصل إلى الكفر، فهؤلاء ليس لهم وعد مطلق بدخول الجنة، وإنما يكونون تحت المشيئة، إن شاء الله عذبهم، وإن شاء غفر لهم، وقد تكون لبعضهم أعمال صالحة عظيمة تنجيه من النار، فالفعل الذي يستحق صاحبه النار مشروط بحصول شروط وانتفاء موانع، وربما ينجون من النار بشفاعة الشافعين، وقد يدخلون النار فيمكثون فيها ما شاء الله أن يمكثوا، ثم يخرجون منها بشفاعة الشافعين، ورحمة أرحم الراحمين عز وجل، وهذه إجابة عابرة وسريعة على هذه الشبهة.