للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ضرورة الاجتهاد في نشر المنهج الحق]

ينبغي أن نوقن أن بداية التغيير هي فكرة، وأساس التغيير يكون في الفكر وفي الفهم وفي العقيدة، وتصحيح وتغيير المفاهيم الفاسدة في عقول كثير من المسلمين فضلاً عن غير المسلمين، فهذا في الحقيقة من أعظم مقاصد هذا التغيير الذي ننشده، فلا ينبغي أن تحتقر أبداً أنك تصحح عقيدة رجل -مثلاً- يعبد القبور وينذر للموتى ويطوف بالأضرحة ويسجد لها، بأن تقنعه وتصحح عقيدته وتطهر قلبه من هذا الشرك، فهذا تغيير حقيقي، بل هو أعظم أنواع التغيير من حيث عمق الأثر والفائدة التي تترتب عليه.

وفي الحقيقة نحتاج إلى مقدمة بين يدي الكلام في هذا الموضوع، ونحن نريد أن نتعلم كي نفهم الإسلام فهماً صحيحاً، هذا الفهم الصحيح سينعكس في سلوكنا وفي عملنا، ثم ينعكس أيضاً في دعوتنا للآخرين كي ندعوهم إلى فهم صحيح للإسلام، وكثير من الجماعات يجتهدون اجتهاداً عظيماً في الدعوة، فالشيعة -مثلاً- إذا اطلعت على جهادهم في سبيل دعوتهم واستماتتهم في سبيل التبشير بهذه الدعوة الخبيثة رأيت ما يستحي أهل الحق من ربهم تبارك وتعالى أنهم لا يفعلون عشر معشار.

وكذلك الصوفية فإنهم مبتدعون وضالون، وتجدهم ينفقون أموالهم وأوقاتهم في سبيل نشر أفكارهم الخبيثة، وهكذا، فتجد أن كثيراً من الذين في فكرهم الانحراف والضلال من حيث العمل والحركة عندهم حركة كثيرة، لكن نشكوا إلى الله عز وجل -كما يقول عمر رضي الله عنه- جلد الفاجر وعجز الثقة، ونجد أن كثيراً من أهل الحق يتقاعسون عن نشر دعوتهم وتصحيح المفاهيم وإحداث هذا التغيير العميق والخطير، فالتغيير ينبغي أن ينصب في إحداث تغيير في الفكر وتصحيح في العقيدة وفي المفاهيم حتى ينعكس على السلوك، وهذا هو الأسلوب الذي يبني، أما مجرد التربية الجماهيرية للناس بكثرة العدد فإنها أشبه ما تكون بمجموعة من الأثاث غير المنظم، والمتراكم بعضها على بعض، لكن إذا هذبت وصقلت فهذه هي التي تصلح أن توضع لبنة في بنيان، فتكون الجماعة كالبنيان المرصوص الذي امتدح الله عز وجل أهله، فإذاً لا بد من التعامل مع الناس بهذا الطريق طريق التصحيح الفردي والاقتراب من كل شخص لتصفية عقيدته وتصفية مفاهيمه ومراقبة سلوكه والتدرج معه حتى يكون هناك إنجاز بعد وقت، أما التربية العامة فإنها في الغالب بعد وقت لا تنجز شيئاً إلا أن يشاء الله تبارك وتعالى، فهذا هو الهدف.

لذلك فالعلم هو السبيل الذي يعطينا هذه البصيرة: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف:١٠٨]، إذاً لا بد من أن تكون الدعوة على بصيرة، وإنما نحصل على البصيرة من العلم، فالعلم هو الشيء الوحيد الذي كلف الله تبارك وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يطلب منه المزيد، فما أمر الله نبيه أن يستزيده من شيء إلا من العلم، فقال تعالى: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه:١١٤].

فهذا ما نريد أن نمهد له في هذا الكلام، أن التغيير لابد من أن يكون تغيير فكر وتغييراً في المفاهيم؛ لأن كل ما عدا ذلك فهو وسيلة للتمكين لهذا المفهوم، فإذا اجتمعت كل الاتجاهات -مثلاً- أو كل الجماعات أو كل هذه الألوان وتوحدت على الدعوة وعلى الجهاد، وبقي فيما بينهم اختلاف في الفهم فإنها ستعود الفرق من جديد، حتى إذا حصل تمكين سيحصل ما رأينا له صورة مصغرة في أفغانستان من التناحر الفكري والقبلي، وهذه الأشياء نتيجة عدم توحد المفهوم أو عدم وجود المفهوم الصحيح الكامل للإسلام في هذه الأشياء.