للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الإقبال على القرآن الكريم]

نمر مروراً سريعاً على بعض هذه الأسباب كما ذكرها فضيلة الشيخ محمد صالح المنجد في محاضرة له بنفس هذا العنوان (وسائل الثبات على دين الله تبارك وتعالى)، أولها: الإقبال على القرآن الكريم، فالنبي عليه الصلاة والسلام كان يدعو فيقول: (أسألك -اللهم- أن تجعل القرآن ربيع قلبي) يحيي قلبي كما تحيا الأرض بالمطر حين ينزل عليها، فأنت تدعو وتقول: (اللهم! إني أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي) فكيف يكون ربيع قلبك وأنت لا تعرض قلبك لهذا المطر، بل جعلت حاجزاً وسقفاً بين قلبك وبين المطر؟! كيف سيرتوي أصل القلب؟! ولنفرض أن شخصاً ذهب إلى الطبيب، فكتب له الدواء، وجمع مجموعة من الأدوية النافعة بإذن الله، ثم إنه وضع بروازاً من المجوهرات الثمينة مزخرفاً وغالي الثمن، فعطره بأطيب العطور، ووضع الدواء في هذا البرواز الأنيق الجميل، فحفظ الأدوية داخل هذا لبروازه؛ فهذا إنسان سفيه ناقص العقل؛ لأن الدواء ينبغي أن يتعاطاه بجرعات منتظمة، وبطريقة محددة حتى يؤثر مع مرور الزمن، كذلك القلب القرآن دواؤه وشفاؤه، لكن شفاء لمن يتعاطاه، فكونك تقصر في تعاطي الدواء هذا جهل منك وتفريط، فهو دواء، وكل دواء ينبغي أن تتعاطاه، ولن يعالج قلبك دفعةً واحدة، لا بد من توالي القطرات على القلب حسب قوة المرض، وبحسب ما تحتاج إليه من الزمن في التداوي على جرعات مستمرة حتى تؤثر في القلب، ألا ترى أنك لو أتيت إلى عشرين لتراً من الماء ثم صببته على هذه الصخرة دفعة واحدة لا يؤثر فيها شيئاً، لكن لو أن نفس هذا الماء موجود في صفيحة، وفيها ثقب من أسفلها، وينزل منها نفس الكمية من الماء على هيئة قطرات متوالية فإنك تجد مع الوقت أن الماء يحدث فيها تأثيراً، كذلك القلب لا يتأثر ولا يتحول إلا بتوالي العلاج باستمرار لفترة طويلة، وهناك نقطة ضعف عند الناس في الرقية، فعندما يعالج بالرقية يتصور أن الرقية لا تؤتي ثمرتها حتى يقف الذي يدعو ويرقي المريض على رجليه وانتهى كل شيء، كلا، هناك أسباب مطلوبة كأي دواء، فلا بد من الاستمرار في الرقية والصبر عليها والمداومة حتى يحصل الانفعال بهذا الدواء.

وأعظم وسيلة لتثبيت الإيمان في القلب وزيادته هي التعامل باستمرار مع القرآن الكريم، فهو أعظم دواء وشفاء لما في الصدور و (ما أنزل الله داءً إلا وأنزل معه دواء)، و (داءً) نكرة في سياق النفي تعم كل الأدواء، سواء أدواء القلب أو أدواء البدن، والقلب دواؤه القرآن، فهو شفاء ينبغي أن تتعاطاه دائماً، فما أنزل الله القرآن حتى نضعه في السيارات، ويهديه الرؤساء والملوك والوزراء والمسئولون بعضهم لبعض ثم يظن أن هذا هو تكريم القرآن! تكريم القرآن تصديقه والعمل به وتلاوته، وعدم هجره وهجر أحكامه: {لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا} [يس:٧٠]، وما أُنزل لنتلوه على المقابر أو على الموتى في التراب، ثم نمضي وننصرف وكأن شيئاً لم يكن، ما أًُنزل القرآن لأجل هذا، إنما أُنزل ليكون منهاجاً في حياتنا، بين الله تبارك وتعالى أن الغاية التي من أجلها أنزل القرآن مفصلاً منجماً مقسماً على نجوم وأجزاء أنها هي تثبيت قلب النبي صلى الله عليه وسلم: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا} [الفرقان:٣٢] القرآن يزرع في النفس الإيمان، ويحيي القلوب بعد موتها، فالقلب تنزل آيات القرآن عليه برداً وسلاماً فلا تعصف به رياح الفتنة، ويطمئن قلبه بذكر الله، ولن يتقرب الإنسان إلى الله بشيء أفضل مما خرج منه وهو كلامه تبارك وتعالى، يقول عليه الصلاة والسلام: (من سره أن يحب الله ورسوله فليقرأ في المصحف) أو كما قال صلى الله عليه وآله وسلم.

كذلك نحن نعيش في جو مليء بالفتن والشبهات، وبطعن أعداء الإسلام وحملات الإعلام وغيره، فهذه الفتن مع تكاثرها إن لم نتعاط ما يضاد هذه السموم والشبهات والشهوات ستطغى علينا.

والقرآن هو المحطة التي تأتيك بالوقود باستمرار، فإذا قطعت الصلة بينك وبين هذا المصدر -مصدر التزويد بالمفاهيم الصحيحة- فلا شك أنك ستنفعل لهذه الفتن وتؤثر في قلبك شئت أم أبيت، فاستمرار القرآن يعطيك المقاييس حتى تحكم على الأشخاص أهل المبادئ ولا تقع في الاضطراب.

أيضاً القرآن يرد على شبهات الكائدين للإسلام وأعداء الإسلام من المنافقين والكافرين بكل ألوانهم، فالارتباط بالقرآن يحبط كيد أعداء الله تبارك وتعالى، فإنه يكسر طعن أعداء الإسلام وتشويه مفاهيم المؤمنين في قضية الولاء والبراء، وفي قضية أن النصراني أخو المسلم فيما يسمى بالوحدة الوطنية، فهذه المفاهيم الوثنية المضللة الإنسان يتعرض لها ليل نهار على لسان علماء السوء قطع الله ألسنتهم، ودعاة السوء من الشرق والغرب في كل مكان، في الجرائد، في الإذاعة، في كل شيء.

فنحن سنتأثر بهذا إن لم نرتبط بالقرآن، وآية واحدة من القرآن كفيلة في أن تحبط كل كيد هؤلاء: {وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} [البقرة:٢١٧]، {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة:١٢٠] هذا خبر الله، ونحن نصدق خبر الله عز وجل، وهكذا تجد آية واحدة من القرآن تحبط كل كيد هؤلاء المجرمين.

فمثلاً: حينما يكثر التشويش على تعدد الزوجات والطعن في هذا الحكم الإلهي أو التطاول عليه فإن المسلم الموحد الذي يتلو كتاب الله ويحافظ على الصلة الوثيقة بينه وبين القرآن آية واحدة في كل ختمة يقرؤها تكفي لأن يتلاشى كل هذا كأن لم يكن، وهي قوله: {فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء:٣] إلى آخر الآيات، آية واحدة تكفي، ولا ينشغل الإنسان بعد ذلك بالمحاورة والمجادلة في حيل أعداء الله تبارك وتعالى، والأسماء فقط هي التي تتغير، لكن جنس المنافقين والكائدين للدين ما زال قائماً، نعم لقد مات أبو جهل ومات أبو لهب ومات أبي بن خلف ومات فرعون ومات قارون ومات النمرود، لكنهم يتجددون ويظهرون الآن في صور أخرى وتحت أسماء مختلفة، والحقيقة واحدة، فالقرآن يخاطب هؤلاء كما خاطبهم من قبل، ويخاطب أمور التزامنا كما كان يخاطب الذين مضوا من أهل الإيمان، فتجد الشخص إذا ربط حياته بالقرآن وأقبل عليه تلاوة وحفظاً وتدبراً تجد أن ذلك ينعكس في حياته، بعكس ذلك الذي قطع الصلة بينه وبين القرآن، وحرم من هذا المصدر العظيم من مصادر الطاقة، والوقود الذي يحفظ عليه إيمانه.