ولم يلبث قاسم أمين حينما أحرج بهذه المواجهة الصارمة أن أسفر عن وجهه الحقيقي وكشف في جرأة وصراحة عن أهدافه المغرضة، فأظهر في العام الثاني مباشرة قاسم أمين كتاباً رفع فيه شعاراً في غاية الصراحة (خير الهدي هدي أوروبا) وهو لم يقلها باللفظ لكن هذا معنى كلامه، وهو كتاب "المرأة الجديدة" بدت فيه بصمات الفكر الغربي واضحة، حيث حمل فيه على المدنية الإسلامية، وادعى أنه لا سبيل إلى الإصلاح الاجتماعي سوى اقتفاء آثار الغرب وقطع الصلة بماضي أمتنا.
يقول: لأن تمسكنا بالماضي إلى هذا الحد هو من الأهواء التي يجب أن ننهض جميعاً لمحاربتها؛ لأنه ميل إلى التدني والتقهقر، هذا هو الداء الذي يلزم أن نبادر إلى علاجه، وليس له من دواء إلا أن نربي أولادنا على أن يعرفوا شئون المدنية الغربية، ويقفوا على أصولها وفروعها وآثارها! وفي الكتاب السابق كان متمسكاً بالحجاب، لكن يقول بكشف الوجه، وفي هذا الكتاب قطع بأن الحجاب عادة لا يليق استعمالها في عصرنا.
وحاله كما قال الشاعر: يرمرم من فتات الكفر قوتاً ويلعق من كئوسهم الثماله يقبل راحة الطاغوت حيناً ويلثم دونما خجل نعاله وقد حصلت ردود فعل شديدة جداً بالنسبة للكتاب الثاني الذي هو (المرأة الجديدة)، حيث تصدى له من جديد مصطفى كامل، وكتب يقول: هذا الكتاب أخرجه أخيراً قاسم أمين ليدعم به أمر كتابه الأول، ويفتح به آفاقاً جديدة لتحلل المسلمين من دينهم وأخلاقهم.
وفي هذه الحال أيضاً أعلن الخديوي عباس حلمي عن رأيه في مسألة الحجاب، وصدر بيان من الخديوي يقول: يرى الجناب العالي حفظه الله في مسألة الحجاب وإطلاق حرية النساء ما يراه الشرع الشريف، ويأمر به.
ولما حضر قاسم أمين إلى المعية السنية، والتمس تقديم الكتاب إلى سموه أبى الخديوي قبول كتاب "المرأة الجديدة"، وفي نفس الوقت قبل كتاب "الاحتجاب" لأحد العلماء الذين يدعون إلى الحجاب، وأعرب عن عظيم امتنانه لنشره إلى آخره، وأصدر الخديوي أمراً بمنع قاسم أمين من دخول القصر في أية مناسبة.