حتى يكون الخلاف سائغاً يجب ألا يخالف نصاً شرعياً صريحاً واضحاً، ولا إجماعاً متيقناً معلوماً، فإذا كانت المسألة نصاً أو إجماعاً فأي خروج عن النص أو الإجماع يعتبر خلافاً غير سائغ، فإذا اجتهد الفقيه في مسألة، وبذل فيها وسعه، فإن خالف غيره من العلماء سواء كانوا سابقين أو معاصرين فالخلاف يكون سائغاً ما لم يكن فيها نص أو إجماع.
وهذا الضابط مهم جداً، فمثلاً قوله تعالى:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ}[النساء:٢٣]، {اليَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ}[المائدة:٥]، {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ}[المائدة:٣] التعبير بكلمة (تحريم) نص في المسألة، ولا يمكن أن يناقش هذا هل هو حرام أم مكروه، فالنص واضح وجلي في أعلى درجات الوضوح في دلالة الألفاظ:(حرمت)(أحل لكم).
فلا يقبل أبداً مخالفة ما جاء فيه نص التحريم، بخلاف الأدلة التي الظاهر منها هو التحريم، وغير ذلك من الدلالات التي هي أقل وضوحاً من النص، ومثل النص الإجماع، فإن الأمة معصومة أن تجتمع على ضلالة، والإجماع يدخل فيه ما علم من الدين بالضرورة.
فإن اجتهد الفقيه في مسألة ليس فيها نص ولا إجماع، وبذل فيها وسعه، ولم يترتب عليها مخالفة لإخوانه من العلماء المعاصرين أو السابقين أو اللاحقين؛ فخلافه داخل في دائرة الخلاف السائغ.