[خوف الكفار من عقيدة الجهاد عند المسلمين وتنفيرهم عنها]
فانظر كيف صنع الشاذلي بن جديد كما يصنع الفأر الذي احتار كيف يخرج من المصيدة، فقام يستعمل قوانين الطوارئ، ثم يخرج الجيوش، ويطلق النيران، ويلجأ للبطش والتعسف مع بني جلدته، ثم تسارع الدول الغربية كإيطاليا بإعانة الجزائر، وتعطي الحكومة الجزائرية وتفيض عليها بالأموال، وتزعم أن نظام الحكومة الجزائرية هو أصلح نظام يمكن أن يتعامل مع هؤلاء الذين يسمونهم: بالإسلاميين، أو الأصوليين.
وقامت فرنسا بالضغط من جانبها، وتقول أمريكا: لا يمكن أن نسمح بقيام حكومة إسلامية في الجزائر! فأين الديمقراطية؟! وأين الحرية؟! وأين هذه المبادئ الكاذبة؟! وهم من الممكن أن يتسامحوا مع أي نظام في العالم إلا النظام الإسلامي والدولة الإسلامية، فإذا أقيمت نواة دولة إسلامية في أي بقعة من بقاع الأرض فهم يعرفون جيداً ما يعنيه ذلك من تهديد لمصالحهم، وتهديد لوجودهم.
ولا شك أنهم قد تلقوا درساً لن ينسوه في أفغانستان، وما زالوا يتلقون شيئاً منه أيضاً في فلسطين، وهم يعرفون طبيعة هذه الأمة، وطبيعة هذه العقيدة، ومن أجل أنهم يعرفون ذلك، فهم يخافون من الإسلام ويحاربونه بكل هذه الوسائل، ويخافون من عقيدة الجهاد في هذا الدين.
أثناء الاحتلال الفرنسي -وبالذات في الجزائر حسب ما قرأنا- كان الفقهاء يُمنعون من تدريس كتاب الجهاد في دروس أئمة المساجد، فحينما تقرأ في صحيح البخاري أو غيره وتصل إلى كتاب الجهاد يمنعك الحكام الفرنسيين أن تقرأ أحاديث الجهاد أو نصوص الجهاد؛ لأنهم يعرفون أن من اعتقد هذه العقيدة وآمن بهذا القرآن، فسوف يكون أعظم أمل له في الحياة أن يعقد صفقة بينه وبين الله تبارك وتعالى مؤداها: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:١١١].
شيء طبعي أن يخاف اليهود والنصارى من دين أنزل الله تبارك وتعالى في كتابه: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة:٢٩].
وقد كانوا ولا يزالون أعظم حرصاً على الدنيا، ويحبون البقاء في الدنيا، {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ} [البقرة:٩٦]، إن كانوا هم كذلك، فأين هم من المسلمين الذين يقول الله تبارك وتعالى لهم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ} [التوبة:٣٨].
فالخوف من الموت والخوف من قلة الزرق -كل هذا- لا مكان له في هذه الأمة، إذا رُبّيت على عقيدة الإسلام فلن تخاف الموت؛ لأنها تعلم أن: {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ} [الرعد:٣٨]، ولن تخاف على الرزق؛ لأنها تعلم أن الله سبحانه وتعالى هو الذي يبسط الرزق، وأن الرزق في السماء: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} [الذاريات:٢٢].
أيضاً: كيف لا يخافون ديناً يعلم أتباعه أن التولي يوم الزحف من أكبر الكبائر ومن الموبقات؟! قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ * وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [الأنفال:١٥ - ١٦].
كيف لا يخافون هذا الدين الذي ينفخ في أتباعه روح الاعتزاز والانتصار بالله عز وجل؟! قال تعالى: {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران:١٣٩]، ويقول تبارك وتعالى: {وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ} [النساء:١٠٤].
أيضاً: كيف لا يخافون من دين يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (من مات ولم يغز ولم يحدث به نفسه؛ مات على شعبة من النفاق)؟! إذاً: روح الجهاد تسري في دم هذه الأمة إذا عادت إلى دينها، وإذا فهمت دينها، فلذلك تجد الغزو يعمل بكل الأساليب لكي تموت هذه الروح في الناس، إما بتثبيط الشهوات، أو بتثبيط الشبهات، وإما بتثبيط أجهزة الإعلام، وإما بالبطش، وهكذا تتلون الأساليب، وكلها تهدف إلى هذا الهدف وهو عزل الولاء لهذا الدين، وعزل هذه الأمة عن التربية الإسلامية الحقيقية.
إذا تأملت طريقة تدريس التاريخ في المدارس، وتصفحت كل مراحل التاريخ الإسلامي التي درسناها في المدارس في الإعدادية والثانوية -مثلاً- تجد أن التاريخ الإسلامي يوضع بطريقة أن هذه أمة منهزمة! من خلال التركيز على مراحل وفصول انهيار أمة؛ لغرس مفهوم أن الأمة الإسلامية تنهار، ثم في تدريس تاريخ أوروبا والغرب يأتيك بانطباع أمة تبنى وتنمو وتقوى حتى تصير مثل العملاق العظيم! فهذه الروح الإنهزامية الخبيثة مبثوثة في التاريخ، فلا يذكرون سوءات الحضارة الأوروبية، ويزعمون -بل يفترون الكذب- على الحضارة الإسلامية وعلى التاريخ الإسلامي.
مثلاً: قصة سليمان الحلبي لا تجد أبداً أي كتاب من كتب التاريخ ذكر كيفية قتل الفرنسيين سليمان الحلبي؛ عندما قتل كليبر، وليس من الممكن أن تجدها في كتاب تاريخ، حتى يدفنوا سوءات السادة الفرنسيين الذين يزعمون حرية الإنسان، واحترام حقوق الإنسان، فإنهم عذبوا سليمان الحلبي حتى أقر، ثم إنهم قطعوا يده أمامه وشووها، وفعلوا به الأفاعيل من التعذيب الوحشي قبل أن يقتلوه ويريقوا دمه، فهذه سوءة تستر مع أنه كناحية وطنية وقومية المفروض أن يقولوا: هذا بطل، لكنهم يفرضون التاريخ في المدارس بدون ما يشرب الجيل كراهية هؤلاء الكفار، ووصفهم بالوصف الذي يستحقونه بصفتهم أعداء لله، وأعداء لهذا الدين.
ولو أردنا استقصاء النماذج على ذلك لطال الوقت بنا جداً، ولخرجنا عن الموضوع الذي لم ندخل فيه حتى الآن، لكن نذكر الأسباب التي من أجلها يخافون من هذا الدين.