للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وجه كون حلق اللحية تشبهاً بالنساء

إذا كان إعفاء اللحية من جانب هو رجولة وفحولة فلا شك أن الجانب الآخر وهو حلق اللحية يعد تشبهاً بالنساء، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال) رواه البخاري.

وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنه رأى امرأة تمشي متقلدة قوساً وهي تمشي مشية الرجل فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ليس منا من تشبه بالرجال من النساء، ولا من تشبه بالنساء من الرجال) وهذا حديث صحيح.

فلا شك أن مشابهة حالق لحيته للمرأة أوضح من مشابهة من تقلدت القوس ومشت مشية الرجال، كما أنا المرأة إذا اتخذت لحية مصنوعة في وجهها فهي متشبهة بالرجال، أو اتخذت الشارب الصناعي في وجهها فهي أيضاً متشبهة بالرجال، وكذلك الرجل الذي يحلق لحيته التي زينه الله بها يكون قد تشبه بالنساء, وأنت إذا سألت رجلاً أو حتى صبياً من عامة المسلمين الملتزمين بالدين عن وجه الحليق: من يشبه؟ لقال: يشبه وجه المرأة، ووجه الصبي، ووجه اليهودي والنصراني.

ولله الحمد تجد أولاد الملتزمين بإعفاء اللحية إذا رأوا حليق اللحية فإنهم يفزعون ويتغيرون؛ لأنهم محتكون بملتحين! والعلماء أطلقوا على حالق اللحية لفظة بشعة، لكن نحن نعلم أن الإخوة الأفاضل الذين يحلقون لحاهم إنما هو نتيجة أنهم لا يعرفون حكم الله في هذه المسألة، فنعتذر عن وجود بعض الألفاظ الشديدة، لكن هذا يعكس مدى استبشاع السلف لهذا الفعل، ومن هذه الألفاظ الشديدة التي أطلقها العلماء على حالق اللحية لفظة: التخنث.

يقول الإمام حافظ المغرب أبو عمر بن عبد البر رحمه الله تعالى: ويحرم حلق اللحية، ولا يفعله إلا المخنثون من الرجال.

فلو أن رجلاً أتى فصبغ أطرافه بالحناء، ومعلوم أن الحناء زينة النساء، فيكون هذا الرجل الذي صبغ أطرافه بالحناء قد تشبه بالنساء، ولو كان ذا لحية وشارب وعمامة، فكذلك من حلق لحيته يكون قد تشبه بالنساء ولو كان ذا شارب وقميص وعمامة.

إذاً: لابد أن نلحظ أمراً مهماً جداً، وهو أن قضية التشبه لا يتوقف الاتصاف بها على القصد والنية كالإتلاف والقتل والضرب، فمن فعل ذلك اتصف به وإن لم يقصده؛ لأن قضية التشبه لا تفتقر إلى السؤال عن النية؟ بل يكفي في وصف الإنسان بأنه متشبه بالكفار أو بالنساء مجرد وقوعه في فعل التشبه، ولذلك نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن أعمال لم يقصد فاعلها التشبه، ولا خطر التشبه على باله، كالنهي عن الصلاة وقت طلوع الشمس ووقت الزوال ووقت الغروب؛ لكيلا نتشبه بالكفار الذين يسجدون للشمس في هذه الأوقات، مع أن المسلم لا يقصد بالسجود إلا الله تعالى، ومع ذلك يعتبر هذا تشبهاً، فإذا كان حلق اللحية تشبهاً بالنساء فعلى الجانب الآخر يكون إعفاء اللحية زينة وتكريماً.