[حكم منع إخراج الزكاة الواجبة وما يترتب على المنع]
جاء في الحديث السابق أن أسهم الإسلام ثلاثة: الصلاة، والصوم، والزكاة، وتكلمنا عن تارك الصلاة ومتعمد الإفطار في رمضان، والآن نمر مروراً عابراً على منع الزكاة.
إن كثيراً من الناس يخرجون زكاتهم في هذا الشهر المبارك، فننتهز الفرصة، ونذكر بخطأ يفعله كثير من الناس في قضية إخراج الزكاة، فبعض الناس يتصور أن إخراج الزكاة هي زكاة الفطر فقط، وإذا قلت له: إن عليك زكاة في مالك بشروط وهي كذا وكذا يقول لك: أنا أتصدق بين وقت وآخر وأعطي الفقراء والمساكين وأجود عليهم وأنفق عليهم! ويظن أنه بذلك يكون قد أدى الزكاة، كلا، فأداء الزكاة عبادة من العبادات لابد فيها من نية إخراج فريضة الزكاة.
ولابد من الالتزام بالمقدار المحدد لكل نوع من الأنواع الذي تجب فيه الزكاة، سواء في ذلك زكاة الذهب والفضة، وسواء في ذلك زكاة الحلي والأواني والصحف الذهبية والفضية، وخاصة ما اتخذ كنزاً للاقتناء، أو زكاة الثروة التجارية والزراعية، أو زكاة المستغلات كالعمارات والمصانع ونحو ذلك، أو زكاة الثروة الحيوانية كالإبل والبقر والغنم، وما إلى ذلك.
فكل نوع له مقدار محدد من الزكوات ينبغي الالتزام به، أما العشوائية في إخراج الزكاة بأن تقول: أنا بين وقت وآخر أتصدق على الفقراء بما ييسر الله فهذا لا يصح، فلابد من أن تضبط الزكاة ضبطاً دقيقاً في مواعيد محددة وبمقدار محدد، وتلتزم بذلك، وإلا فقد ورد الترهيب الشديد لمنع الزكاة.
يقول عز وجل: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ} [التوبة:٣٤ - ٣٥]، ويقول صلى الله عليه وسلم في حديث طويل: (ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار، فيحمى عليها في نار جهنم، فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار) إلى آخر الحديث.
وورد ضمن حديث طويل قال: (ولاوي الصدقة ملعون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم).
قوله: (لاوي الصدقة) يعني المماطل في أداء الزكاة، فإنه ملعون على لسان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
فإذا كان لك مال استوفى شروط الزكاة كاملة فإن لله فيه حقاً، قال عز وجل: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [المعارج:٢٤ - ٢٥] فهذا المال ليس ملكاً لك، بل حق الله عز وجل، فإذا لم تؤد الزكاة وبخلت بها فالله تبارك وتعالى قادر على أن يعاقبك أشد العقوبة.
يقول عليه الصلاة والسلام: (مانع الزكاة يوم القيامة في النار)، ويقول عليه الصلاة والسلام: (ما منع قوم الزكاة إلا ابتلاهم الله بالسنين) والسنون جمع سنة، وهي الجدب والقحط وعدم نزول المطر، وقال في رواية أخرى: (ولا منع قوم الزكاة إلا حبس الله عنهم القطر) وقال عليه الصلاة والسلام: (ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا).
فمنع الزكاة معصية خطيرة جداً، ويخشى على الشخص الذي يمنع الزكاة أن تمحق بركة ماله لكفره بنعمة الله، فهذا المال الذي فيه حق الفقراء والمساكين من الزكاة ليس ملكك، فإذا أتى أوانه فهو حق هؤلاء الفقراء ولا ينبغي لك تأخيره أبداً، بل لا بد من أن تعجل بأدائه إلى أصحابه.
وأذكر هنا قصة طيبة لأحد الناس: كان هناك رجل من الناس الطيبين في الإسكندرية، وهذا الرجل كان يتمتع بالصحة والعافية وفي خير حال، وقبل أن ينام مباشرة أنطقه الله تبارك وتعالى فقال لزوجته: هذا المال -وأشار إلى مبلغ معين من المال- هو الزكاة التي ستجب علي بعد يومين أو ثلاثة، فإذا أتى وقت الزكاة فأخرجوها، وحذار أن يقربها أحد منكم، فإن هذا ليس مالنا.
ونام الرجل على وسادته ولم يقم من نومه، بل أفضى إلى ربه تبارك وتعالى في نفس تلك الليلة.
فهذه -إن شاء الله- من علامات حسن الخاتمة.
وهناك قصة حكاها بعض الشيوخ على عكس الأولى، أن أحد القضاة الشرعيين حدثه أن رجلاً جاءه في الحجاز يشتكي من أن صاعقة نزلت على غنمه فأتلفت منها أكثر من سبعمائة رأس من الغنم، وأتى إلى المحكمة وطلب تسجيل هذه الجائحة أو الواقعة كي يعوض فيما بعد عن خسائره، وأخذ هذا الرجل يتردد على المحكمة حتى يثبت هذه المصيبة التي وقعت به ويصرف له تعويض عن هذه الخسارة.
وفي يوم من الأيام قال له القاضي ذات مرة: لعلك لا تخرج زكاة هذه الأغنام؟! قال القاضي: فرأيت الرجل لما قلت له ذلك قد تغير وظهرت عليه علامة التأثر مما قلت، ثم خرج من عندي ولم يعد بعدها إلى المطالبة بالتعويض.
لأن هذه الكلمة وقعت في قلب هذا الرجل، وعلم أن ما أصابه من الصاعقة التي نزلت من السماء وأتلفت سبعمائة رأس من الأغنام إنما هي بسبب عدم إخراج الزكاة، فزهد في هذا التعويض الذي كان يسعى إليه؛ لأن هذا حكم عادل من الله تبارك وتعالى.
إذاً: إذا بخلت ولم تخرج زكاة المال فإن الله سبحانه وتعالى قادر على أن يتلف عليك كل هذا المال من أوله إلى آخره، ويبتليك بالمصائب والبلايا.