للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[لكل قوم قشرتهم]

نحن بشر لنا أجساد، ومقتضى ذلك أن لنا مظهراً مادياً محسوساً، ولسنا أرواحاً لطيفة ولا أطيافاً عابرة، والمظهر شديد الارتباط بالجوهر، وقد جعلت الشريعة الإسلامية الحنيفية تميز الأمة الإسلامية في مظهرها عمن عداها من الأمم مقصداً أساسياً لها.

بل إن كل أهل ملة ودين يحرصون على مظهرهم باعتباره معبراً عن خصائص هويتهم، وآية ذلك أنك ترى أتباع العقائد والديانات يجتهدون في التميز والاختصاص بهوية تميزهم عن غيرهم، وتترجم أفكارهم أو ترمز إلى عقيدتهم.

فإن كنا نقول للكفار: لكم دينكم ولنا ديننا، فنقول في هذا الاصطلاح الحادث مع شيء من التنزل: لكم قشرتكم ولنا قشرتنا؛ لأن الإنسان لابد له من قشرة، فإن لم يحمل صبغة الله وقشرة المسلمين فلابد أن يتغطى بقشرة الكافرين، وهذا أوضح ما يكون، هذا الشعار: لكم قشرتكم ولنا قشرتنا أوضح ما يكون عند عامة اليهود الذين يتميزون بطاقيتهم ولحاهم وأزيائهم الدينية، وفي المتدينين من النصارى الذين يعلقون الصليب، وفي السيخ والبوذيين وغيرهم، أليس هذا كله تميزاً صادراً عن العقيدة ومعبراً عن الاعتزاز بها؟! ألا ترى التاجر النصراني -رغم أن الجهر بالصليب أو بالصور التي يعلقونها قد تدفع بعض الزبائن من المسلمين إلى عدم الشراء منهم- يتحدى ويظهر ما يعبر عن عقيدته سواء بالصليب أو الوشم الذي يفعلونه أو الصور التي يعلقونها، أليست هذه كلها تعبيراً عن اعتزازهم بهذه العقيدة وإصرارهم على التمسك بها؟! فإذا كانت هذه المظاهر كالصليب وطاقية اليهود وغير ذلك من شعائر الوثنيين هي صبغة الشيطان التي كسا بها أهل ولايته من أهل الضلال والكفران، فكيف لا نستمسك نحن بصبغة الرحمن التي حبانا بها وقال فيها عز وجل: {صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ} [البقرة:١٣٨]؟! إن أهمية هذا الموضوع ليس بالحجم اليسير الذي يتخيله بعض الناس، وإلا فلماذا هم يقولون: لا تشتغلوا بالمظاهر واشتغلوا بالجوهر، ولا تهتموا بالشكليات والقشور واهتموا باللب والمضامين؟! نقول: إذاً لماذا أنتم تشغلون أنفسكم بمظهرنا؟ مع أننا لا ندعوهم ولا نقول لهم: التحوا ولا افعلوا، غاية ما في الأمر مجرد أن يراك بشكلك هذا يثور ويهيج ويقول: المهم الجوهر، وأنت لم تقل له شيئاً ولا دعوته، رغم أنه من حقك أن تدعوه بل ومن واجبك أحياناً، ومع ذلك فهو الذي يهتم بالمظهر في الحقيقة، وهو الذي يعطيه هذا الحجم الكبير، لماذا تشن الحروب الإستراتيجية على المظاهر الإسلامية كاللحية والحجاب وغير ذلك من المظاهر، لماذا تشن عليها هذه الحروب المنظمة؟ حتى إنه لتعقد من أجلها برلمانات وتصدر قرارات وتجيش الجيوش لهذا، ونحن أصحاب البيت كما يقول الشاعر: أحرام على بلابله الدوح حلال للطير من كل جنس كل دار أحق بالأهل إلا في خبيث من المذاهب رجس هذه ديارنا وهذا ديننا فمالكم تجزعون هذا الجزع؟ لماذا تهتمون بالمظاهر؟ افترضوا أننا لم ندعوكم إليها، لماذا تجزعون هكذا؟ فمن الذي يهتم بالمظهر؟! اتقوا الله يا غواة قليلاً واخلعوا العار عنكم والشنارا فهل كل هذا من أجل أنها قشور؟ كلا، بل لأنهم يدركون ما لهذه المظاهر من دلالة عميقة، ويدركون أنها تعبير عن الصمود والثبات على الدين، تصبغ المجتمع بصبغة غير التي ترضي أعداء الله تبارك وتعالى.

فمثل هذا التمسك بالشعائر الإسلامية، كالأذان وصلاة العيد وصلاة الجماعة والزي الإسلامي، كل هذه عبارة عن تعبيرات للتحدي لمحاولات التذويب والتمييع، فهذه هي عبارة عن صفعة توجه لمؤامرة استلاب هوية هذه الأمة كمقدمة لإذلالها ولاستعبادها.

فمن يتخلى عن القشرة الإسلامية سيتغطى ولابد بقشرة دخيلة مغايرة لها؛ لأن كل لب لابد له من قشر يصونه ويحميه، فالسؤال الآن: إذا كان لابد لنا من قشر لماذا يرفضون قشرة الإسلام ويرحبون بقشرة غيره؟ لماذا يأكلون مثلاً بالشمال ويحلقون اللحى ويلبسون النساء أزياء من لا خلاق لهن، ويلبس بعضهم في بعض البلاد القبعة وغير ذلك من المظاهر التي يقتبسونها عن أعداء الله تبارك وتعالى؟! لأنهم تخلوا عن قشرة الإسلام ولابد من قشرة للب، فاكتسوا بهذه القشرة التي هي صبغة الشيطان.

يقول بعض السلف: دعوا السنة تمضي لا تعرضوا لها بالرأي.

يعني: لا تعرضوا لها بالآراء والأهواء، اتركوا لها الطريق سهلاً ميسوراً كي تمر، لا تضعوا أمامها المتاريس والعقبات كي تعوقوها عن المضي.