أول صورة من صور بيع المواعدة تنبني على التواعد غير الملزم بين الطرفين، مع عدم ذكر مسبق بمقدار الربح؛ فهي مبنية على تواعد وتفاعل، هذا يقول له: اشتر لي الثلاجة، وأعدك أني سأشتريها منك عندما تتملكها، والبنك يقول له: أنا أعدك أني أسلمها لك بعد أن أشتريها، فهنا يجوز هذا البيع، وهو غير بيع التواعد الذي فيه تفاعل بين الاثنين؛ فهذا وعد أنه يشتريها منه، والثاني وعد أنه يبيعه إياها.
هذه الصورة الأولى تنبني على التواعد غير الملزم بين الطرفين، بمعنى: أن البنك يشتري الجهاز أو الماكينة أو أي سلعة بناءً على الوعد ثم يأتي رجل آخر فيقول له: بكم تبيع هذه الثلاجة، فإذا كان سيبيعها للأول بخمسمائة مثلاً فيقول له: أبيعها لك بسبعمائة، فيقول: موافق، فإذا ظهر للبنك مصلحة جديدة فله أن يرجع في كلامه.
إذاً الوعد هنا غير ملزم للبنك، ويمكن أن يبيع السلعة للمشتري نفسه الذي جاءه في البداية، أو شخص آخر فيبيع له، وكذا المشتري له ألا يشتريها، ويقول له: أنا جاءني عرض أقل من هذا العرض، وأنا قبلته ولن أشتري منك.
هذه الصورة الأولى وفيها الوعد غير ملزم، ولا أحد يعاتب الثاني إذا رجع في كلامه؛ لأن العقد لم يتم، وهذه الصورة من بيع المرابحة هي الصورة الصحيحة إن شاء الله كما سنبين.
وهذه الصورة تنبني على التواعد غير الملزم بين الطرفين، مع عدم ذكر مسبق لمقدار الربح، وهذا هو سر حلها، وهو أنه لا يعرف مقدار الربح؛ فيرغب العميل في شراء سلعة بعينها فيذهب إلى المصرف، ويقول: اشتروا هذه البضاعة لأنفسكم، ولي رغبة في شرائها بثمن مؤجل أو بربح، أو: وأنا سأربحكم فيها، فما حكم هذا النوع؟ الظاهر جواز هذه المعاملة عند الحنفية والمالكية والشافعية كما ذكر ابن رشد في المقدمات، فهذا البيع جائز، وليس فيه أي مشكلة؛ لأنه ليس في هذه الصورة التزام بإتمام الوعد بالعقد، أو بالتعويض عن ضرر لو هلكت السلعة.
وفي هذه الحالة لو هلكت السلعة عند البنك، فمن الذي سيتحمل هلاكها؟ البنك هو الذي سيضمنها، إذاً: الشبهة تزول، أما إذا شرط البنك عليك أنها لو هلكت عنده فأنت المسئول عنها، فهذا منكر آخر.
فليس في هذه الصورة التزام بإتمام الوعد بالعقد أو بالتعويض عن الضرر لو هلكت السلعة، وليس الضمان على العميل وإنما على البنك، وليس فيها التزام ولا تحديد قاطع بالربح مسبقاً، فالبنك في هذه الحالة يخاطر بشراء السلعة لنفسه، وهو على غير يقين من شراء العميل لها بربح، فلو عدل أحدهما عن رغبته فلا إلزام، ولا يترتب عليه أي أثر، فهذه الدرجة من المخاطرة هي التي جعلتها في حيز الجواز، ووجود هذه المخاطرة هي التي جعلت هذا التعامل جائزاً والله تعالى أعلم.