[التبرك الممنوع وسيلة من وسائل انتشار البدع والشركيات]
قول النبي عليه الصلاة والسلام: (والبركة من الله) يحتاج إلى مزيد من التوضيح له ضمن هذه السلسلة التي هي تلخيص لبعض الدراسات المهمة.
وهنا سنتكلم عن التبرك المشروع والممنوع، علماً أنَّ هذه المجموعة من الدراسات المفيدة النافعة تحمل اسم (رسائل ودراسات في منهج أهل السنة) للدكتور علي العلواني، ونظراً لندرة هذه الرسائل وعدم توافرها ولشدة الحاجة إليها في نفس الوقت نقوم بمحاولة نشرها بقدر المستطاع عن طريق هذه البنود.
يقول الدكتور علي العلواني حفظه الله: إن التبرك بذوات الصالحين وآثارهم والتبرك بالأزمنة والأمكنة المرتبطة بهم قضية من أهم القضايا العقدية، كذلك الغلو فيها ومجانبة الصواب قد جر فئاماً من الناس قديماً وحديثاً إلى حظيرة البدع والخرافيات والشركيات.
وهذا من قديم الزمان، فإن أهل الجاهلية الأولى الذين بعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من أسباب عبادتهم للأصنام التبرك بها، وطلب بركتها في الأموال والأمن والأولاد والأنفس، ثم لما دخلت البدع في هذا الدين عن طريق الزنادقة والمنافقين كان من وسائلهم لتحريف الدين الغلو في الأولياء والصالحين، والتبرك بقبورهم، وفي مقدمة هؤلاء الرافضة لعنهم الله، فهم من أولهم ظهوراً بعد بعثة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: ومن هنا أدخل أهل النفاق في الإسلام ما أدخلوه من باب التبرك والغلو في الدين.
ويكفينا نحن في مصر أن مصر تتميز بقدر من البدع لا تحظى به كل البلاد الإسلامية، كباكستان وأفغانستان والبلاد البعيدة عن مبادئ الإسلام الأولى، فلنا في مصر بدع لا تكاد تجدها تنتشر في بلاد أخرى، خاصة مسألة بناء المساجد على القبور، وتعظيم المقابر بهذه الطريقة، والموالد، والمواسم، والأطعمة، والاشتغال بهذه الشكليات التي تنسي الناس جوهر الإسلام.
وكل هذه البدع أو أغلبها إنما طرأ علينا في مصر بسبب شؤم الدولة الفاطمية الملحدة التي حكمت مصر ردحاً من الزمان.
فنحن ابتلينا بهذه الدولة الرافضية الفاطمية الخبيثة، فإنها لما حكمت في مصر بثت هذه البدع، ولعل مما يشرف أهل الإسكندرية أن الإسكندرية هي المدينة الوحيدة التي استعصت على الفاطميين في فترة حكمهم وغزوهم العقدي للمسلمين في مصر.
وعلى أي الأحوال فنحن نعيش بين هذه البدع، ونكتوي بنارها، كالغلو في أهل البيت، والغلو في الصالحين، وبناء المساجد على القبور، حتى إن العقائد السائدة عند الناس أنهم يعتقدون أن كل قرية لابد من أن يكون لها ولي يدفن في وسط المقابر لأجل أن يحمي القرية، والذين يعتقدون ذلك هم عامة الناس في الأرياف، ونرجو أن تنقطع هذه العقائد الآن بسبب دعوة الإخوة جزاهم الله خيراً.
فيعتقدون أن كل بلدة تحمى وتحفظ بالولي المدفون فيها، والذي يعظم قبره وتشد إليه الرحال، حتى إن بعض الناس ألفوا كتباً ليوضحوا فضل مناسك الحج إلى هذه المشاهد وسموها (مناسك الحج)! ونرى فيها أنواعاً من الشرك التي تضاهي ملة إبراهيم عليه السلام وتشابهها، وكأنه يحج إلى بيت الله العتيق، فتجد الطواف حول هذه القبور والأضرحة، مع أنها مؤسسة على لعنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، ومؤسسة على غضب من الله تبارك وتعالى؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام لعن الذين اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، يحذر ما صنعوا، والأدلة في ذلك معروفة.
وتجد أنهم يحجون إلى تلك الأضرحة كما يفعل الموحدون إذا حجوا إلى بيت ربهم تبارك وتعالى.
وتجد -أيضاً- أنهم يتبركون بهؤلاء الأنجاس الذين يعبدونهم من دون الله، وتجد الذبائح التي يهدونها إلى الميت وإلى القبور، وهذا عجل البدوي وهذا عجل فلان، ولا أحد يقربه أبداً، مثل ما عمل أهل الجاهلية حين جعلوا البحيرة والسائبة والوصيلة والحامي، فعجل البدوي لا أحد يقربه ولا أحد ينتفع به؛ لأنَّه عجل البدوي! ويذبحون الذبائح للأنداد الذين اتخذوهم من دون الله تبارك وتعالى، فنجد عندهم الطواف والذبح والحلق والنحر، وكل هذه الأشياء مضاهاة لما يفعله الموحدون أتباع ملة إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام.
فالحقيقة أن هذه الأمور من أشد مظاهر غربة الإسلام في بلادنا وفي كثير من بلاد المسلمين، فإذا تتبعت منابع هذه الضلالات وهذه الشركيات فسوف تجدها تعود إلى جذور خبيثة منتنة، كما قال عز وجل: {وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا} [الأعراف:٥٨].
فهذا النكد أتانا من هؤلاء المبتدعين والمنافقين، فكثير من الناس لما أرادوا الطعن في الإسلام طعنوا فيه من خلال الغلو في الصالحين أو الغلو في أهل البيت.
فالذي ابتدع دين الرافضة وأسس دين الرافضة هو يهودي خبيث اسمه عبد الله بن سبأ، وكان يقال له: ابن السوداء.
ذلك الخبيث هو الذي أثار الفتن في المسلمين، وكان زنديقاً أظهر الإسلام وأبطن الكفر؛ ليحتال في إفساد دين المسلمين، كما احتال بولس في إفساد دين النصارى؛ لأن الذي أفسد دين النصارى هو بولس، وهو يهودي أيضاً.
وقد سعى هذا اليهودي الخبيث -أعني ابن سبأ- في الفتنة بين المسلمين، حتى قتل عثمان رضي الله عنه، وكان هو ممن غذى هذه الفتنة، وكان يغذي فتنة الاقتتال بالكذب والدعاوى بين المسلمين، كما قال تبارك وتعالى: {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ} [التوبة:٤٧].
ثم إنه لما تفرقت الأمة ابتدع ما ادعاه في الإمامة من النص والعصمة، وافترى فرية أخرى، هي أن كل نبي لابد له من أن ينص على إمام من بعده، وأن هذا الإمام يكون معصوماً، فهو الذي أسس للشيعة الرافضة دينهم الخبيث.
وأظهر التكلم في أبي بكر وعمر، فهو الذي فتح باب الطعن في أبي بكر وعمر، وصادف ذلك قلوباً فيها جهل وغل وإن لم تكن كافرة، فظهرت بدعة التشيع التي هي مفتاح باب الشر، ثم لما تمكنت الزنادقة أمروا ببناء المشاهد وتعطيل المساجد، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى.