قال:(الموضع الثاني: أن يسأل بعدما بلغ من العلم حاجته): فالنص الشرعي قد يكون واضحاً وظاهراً، ثم بعدما يبلغه العلم يبدأ يشق على نفسه، ويسأل بعدما بلغ من العلم حاجته، كالرجل الذي سأل عن الحج: أفي كل عام يا رسول الله؟ مع أن ظاهر قوله تبارك وتعالى:{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ}[آل عمران:٩٧] يكفي في امتثاله أن يوقعه الإنسان مرة واحدة في عمره، فظاهره أنه ليس إلى الأبد لإطلاقه، فمثل هذا السؤال يجعل موضعاً من مواضع كراهة السؤال، مع أن ظاهر الآية أنه يكفي أن تحج مرة واحدة، لكنه مصر أن يصرح ويسأل: أفي كل عام؟ حتى قال له:(لو قلت: نعم لوجبت، ولو وجبت لما استطعتم).
ومن هذا سؤال بني إسرائيل عن البقرة بعد ما قال لهم موسى:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً}[البقرة:٦٧] أيَّ بقرة، ولو ذبحوا أي بقرة لانتهى الأمر ولأدوا ما وجب عليهم، لكنه التنطع والتشدد، وكان يكفيهم النص الشرعي بذبح بقرة، فالسؤال في مثل هذا الموضع هو استجلاب للضيق وللعنت، وهو من التنطع.