استطاع السلجوقيون أن يستولوا على المدينة المقدسة من قبضة الفاطميين الذين كانوا يعتبرون أعداءً تقليديين لهم، فاحتلوا المدينة عام (٤٦٥هـ) الموافق عام (١٠٧١م)، لكن الفاطميين استعادوها منهم، ولم يلبث الصليبييون أن انتزعوا القدس من أيدي أوليائهم الفاطميين الذين كانوا من الأسباب الرئيسية في النكبة الصليبية التي حلت ببيت المقدس.
انتهزت الزعامة الباباوية نداءً وجهه البطريرك كنعان الثاني بطريرك القدس وبطرس الناسك، وتوجه هذا المدعوم من البابا إلى مجمع للنصارى سنة (١٠٩٥م)، ودعا إلى شن حروب ضد المسلمين لإخراجهم من بيت المقدس؛ فاستجاب ملوك وأمراء الإقطاع في أوروبا الوسطى والغربية؛ لأن في تلبيتهم لهذا النداء فرصة لتحقيق حلمهم القديم في إقامة إمبراطورية جديدة في الشرق على غرار الإمبراطورية الرومانية التي قصم المسلمون ظهرها.
وتقدم النصارى ملبين نداء البابا وهم يدقون نواقيس الحرب، ووقعت القدس في يد النصارى بعد أربعين يوماً من الحصار، وذلك بعد انخذال الشيعة في الدفاع عنها، وهروب قائدهم المدعو افتخار الدولة وحرسه، وسقطت المدينة المقدسة في أيدي عباد الصليب في نهار يوم الجمعة في الثالث والعشرين من شعبان سنة (٤٩٢هـ) في عهد الخليفة المستعلي بالله الفاطمي لا أعلاه الله، والمستظهر بالله الفاطمي لا أظهره الله؛ ولم يكن لدى الفاطميين إلا أسماء وألقاب فقط، كـ العاضد لدين الله، والمعز لدين الله، والحاكم بأمر الله، وهكذا.
وتهيأت الفرصة لعباد الصليب لأول مرة بعد أن أضاءت الدنيا بنور الإسلام أن يسددوا للمسلمين طعنة في الصميم، ودخل الصليبيون المدينة منطلقين في هوس وجنون يزرعون الرعب والدمار والخراب، منتشين بما أصابوا من نصر رخيص على يد حاكم أرعن، ولم يسلم من بطشهم رجل ولا امرأة ولا شيخ ولا طفل، فقتلوا الجميع دون تمييز، وأراقوا الدماء دون تورع، وشاهوا وجوه الناس وأساءوا إليهم، فلم يسلم من ظلمهم خد أيمن ولا أيسر، واستمرت المذبحة الرهيبة طوال يوم الدخول وليلته، واقتحموا المسجد الأقصى صباح اليوم التالي، وأجهزوا على من احتموا فيه، واصطبغت ساحات المسجد بدماء العباد والزهاد والركع السجود، وتوجه قائد الحملة الصليبية ريموند في الضحى لدخول ساحة المسجد ملتمساً طريقاً بين الجثث والدماء التي بلغت ركبته!!