للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[إهانة التعليم واحتقار العلماء]

وفي نفس الوقت الذي يحقرون فيه الشيوخ، ويأتون بالشيوخ -مثلاً- في هيئة منكرة وقبيحة ويسخرون منهم ويهزءون بهم؛ لا يجرؤ أحد منهم أن يمثل دور القسيس أو الحاخام احتراماً للأديان، وديننا نحن ينتهكون حدوده ويسخرون من علمائنا ومن المشايخ! يقول بعض العلماء في هذه المسألة: وإن كان التمثيل بأشخاص غير معينين فتقع المنكرات فيه كثيرة، منها أنهم يمثلون علماء الإسلام ورجال الدين على العموم، فيلبسون ملابسهم وعمائمهم على هيئة منكرة مشوهة، ويلصقون اللحى المصطنعة في حالة مزرية تدل على غاية الاحتقار والاهانة، ويقلدونهم في كلامهم، ويحكونهم في النطق بالقاف، ويأتون بالكلمات المعربة، والحاضرون يضحكون، وفيهم اليهود والنصارى، فيسرون بذلك غاية السرور، ويحتقرون هؤلاء الفجرة المارقين أشد الاحتقار؛ إذ يرونهم يمثلون علماءهم في حين أنهم يجلون أحبارهم غاية الإجلال، فتكون المصيبة بهذا التمثيل أعظم.

فالمقصود من هذا التمثيل إهانة العلم، وإهانة الدين الذي ينتمي إليه العلماء، وليس المقصود الأشخاص والهيئات؛ لأن أكثر العوام يشاركونهم في ذلك اللباس، فالإزراء والإهانة راجعان إلى العلم والدين، وذلك كفر بإجماع العلماء، وقد حكم الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله بكفر من قال لعمامة العالم: (عميمة) بالتصغير يقصد بها احتقارهم، فلو أن أحداً يتكلم على عمامة أحد الأئمة أو العلماء ويقول: عميمة هذا الرجل، ويقصد بذلك الاحتقار والازدراء والتصغير والاستخفاف والإهانة، فهذا راجع إلى وصف العالم الذي هو حامل علم الشريعة المطهرة، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس منا من لم يجل كبيرنا، ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا حقه).

وتجدهم يخصون من أهل اللحى ذوي الشيبة في الإسلام، فيمثلون الناس الذين شابوا في الإسلام، حتى إنهم يلصقون أحياناً قطعاً من الفراء الأبيض مبالغة في التشويه والإهانة والسخرية، فهي لحى مصطنعة ترمز لذوي الشيبة من المسلمين، وهذا مع كون فاعله ملعوناً -كما في الحديث- فإن فيه اعتداءً وانتهاكاً لحرمة المسلم الذي قد شاب، قال صلى الله عليه وسلم: (إن من إجلال الله -أي: من تعظيم الله سبحانه وتعالى- إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه ولا الجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط) فأين هذا الإكرام من هذه المهانة؟! وقال الله عز وجل في الحديث القدسي: (من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب) وهناك ألفاظ أخرى للحديث، منها: (من أهان لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة) وفي لفظ آخر: (من آذى أولياء الله فقد بارز الله بالمحاربة).