[محاولة العلمانيين بعث تراث أسلافهم من المنحرفين]
إنّ هذه المحاولة يائسة من هؤلاء اليائسين, فقد أيسوا من محاولة البطش والتخويف والإرهاب؛ لأنها لم تأت بأي ثمرة، بل زادت الصحوة الإسلامية، فلجئوا إلى آخر ما في جعبتهم وهي الكتابة، فعجزوا عن الكتابة، وما وجدوا أحداً يصلح للكتابة, فقالوا: نلجأ إلى القدامى, نلجأ إلى مؤسسي حركة التنوير, والمستنير عندهم هو الذي يستنير ويستضيء بغير كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم, فلأن الباطل دائماً أعمى لا يرى، وأصم لا يسمع، وأحمق لا يعقل, فقد حاول هؤلاء العلمانيون كما قلنا مواجهة الإسلام بالكتابة، فلم يستطيعوا إلا السب والشتم والتشنيع والاستعداء والبذاءة والتطاول, ونظرة واحدة في كتبهم تجعلك ترى ما في جعبة القوم من هذه البذاءات.
فلما شعروا بعجزهم عن أن يجادلوا بأنفسهم أرادوا أن يتطفلوا على مائدة الأولين منهم، فراحوا ينفخون الروح في هذا التراث المشئوم؛ عسى أن يجدي في محاولاتهم اليائسة في إطفاء نور الله عز وجل {وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [التوبة:٣٢] , فقاموا بإعادة طبع عشرات الكتب، وبسعر زهيد جداً: بخمسة وعشرين قرشاً، أي: ربع جنيه، ككتب طه حسين، وسلامة موسى، وزكي نجيب محفوظ، وقاسم أمين، والطهطاوي، وأعادوا نشر هذا التراث العفن النتن الذي فاحت ريحه الخبيثة، وانكشف عواره.
وهذا من غبائهم وإساءتهم إلى أنفسهم, فهم اليوم يخاطبون جيلاً غير الجيل الأول الذي خوطب من خلال هذه الكتب، فأرادوا أن يحتموا بتلك الأسماء اللامعة: طه حسين , سلامة موسى , ولا يدرون أن الشباب الآن عنده وعي، وعنده بصيرة، وأنه قد عرف عدوه وعدو دينه، وعرف من هو طه حسين، فبعدما كان الجيل الماضي ينظر إلى طه حسين على أنه كاتب إسلامي فقد فهم الناس الآن أن طه حسين زنديق ملحد, وأنه طاعن في كتاب الله، ومكذب له, وعدو لهذه الأمة، وعدو للغة العربية، فقد كان ينطلي على الجيل الأول أنه عميد اللغة العربية, وأما الآن فقد انتشر الوعي، فمن الغباء أن يخاطبونا بمثل هذه البضاعة الكاسدة البائرة.
فهذه الأصنام التي يعيدون الطواف حولها بالمباخر والتعظيم قد حطمت، حطمها العلماء والدعاة، وانكشفت سوآتها للناظرين، فلو كان هؤلاء عقلاء لما بعثوا هذا التراث, ولو كانوا يعترفون بالجميل لأساتذتهم لما آذوهم في قبورهم, فنحن نجزم ونقطع ونحلف بالله عز وجل أن كل هؤلاء الذين كتبوا في معاداة الله ومعاداة رسول الله عليه الصلاة والسلام، نادمون أشد الندم على كل حرف خطّوه وكتبوه، وأنهم إن كانوا ماتوا على هذا الضلال والكفر فإنهم يتمنون أن يعودوا، وأن يعطيهم الله سبحانه وتعالى الفرصة من جديد؛ كي يكونوا أشد الناس تطرفاً في معاداة هذه العلمانية، وكي يجاهدوا كل من يطعن في دين الله سبحانه وتعالى.
فأنتم الآن تسيئون إليهم في قبورهم، وهم يرجونكم -إن كان لهم أن يتكلموا- ويتوسلون إليكم أن تكفوا عن مضاعفة سيئاتهم بإحياء هذه الكتب, فهذه حقيقة لا نشك فيها: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُوا رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ} [السجدة:١٢] لكن حيث لا ينفع اليقين، ولو ردوا لتبرءوا من هذه الكتب، ولنصروا الإسلام بكل جوارحهم حتى وإن قيل عنهم: متطرفون، أو متشددون، أو رجعيون.
فلو أعيد طه حسين إلى الحياة -والله أعلم بمصيره عند ربه- لكان من أشد الناس دعوة إلى الله، ومن أشدهم تضحية في سبيل الله تبارك وتعالى, فإن كنتم تحبونهم فكفوا عنهم، ولا تنشروا مساوءهم, وابحثوا لعلكم تجدون لهم حسنات فتكلموا بها وانشروها؛ لكن القوم عندهم هواية البحث في القمامة، والبحث في الخبائث؛ ليستخرجوا أسوأ ما فيها، وينشروها على الناس, فالسعيد من إذا مات ماتت سيئاته وتوقفت، أما أن يبقى في قبره وأذاه على وجه الأرض فنسأل الله السلامة، {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} [يس:١٢]، (ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة).
وهذا أحد كتاب رسائل المواجهة، تلك المواجهة الدنيئة الحمقاء، فأحد هؤلاء المجرمين كتب كتاباً، وفعل ما فعلته اليهود, فسمى الرسالة (التنوير في مواجهة الإظلام) فتشبه باليهود حين قيل لهم: قولوا حطة، فقالوا: حنطة, فهذا بدلاً من أن يقول: الإسلام، قال: الإظلام, ومعروف أنهم دائماًَ يستعملون كلمة الظلام للتعبير عن الإسلام، فيقولون: الجماعات الإظلامية، أو الجماعات الظلامية، ويعنون الجماعات الإسلامية، ولما ألفوا رواية عن طه حسين سموها: قاهر الظلام، أي: قاهر الإسلام، وكذلك هنا (التنوير في مواجهة الإظلام)، فالله المستعان، والأمر كما قال تعالى: {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} [محمد:٣٠].
وهذا كاتب من كتابهم يتكلم عن القصص الفني في القرآن، فيصف قصص القرآن الكريم بأنها خرافة, بل زعم أن القرآن نفسه لا ينفي أنه يحوي الأساطير, وهذا الباحث دافع عنه بعض المستشرقين، ومنهم بعض الآباء الدانماركيون الذين وصفوا بحثه بأنه البحث الوحيد الذي يمثل الاستنارة الحقيقية في الفكر الإسلامي الحديث, وهنا نقول: هل سمعتم عن رجل علماني -مهما بلغت أفكاره- غضب عليه الكفار في الشرق أو الغرب أو الداخل أو الخارج؟ كلا, بل تنشرح صدورهم لأعداء الدين، فهم إخوانهم الذين يساندونهم ويمدونهم بالعون، وهم الذين يحرضونهم على معاداة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.