ما هي النوعيات التي يربيها هذا الدين إذا أعيد من جديد لتوجيه هذه الأمة؟ كان عبد الله بن جحش رضي الله عنه يقسم على ربه ويقول: اللهم إني أقسم عليك أن ألقى العدو غداً فيقتلوني، ثم يبقروا بطني ويجدعوا أنفي وأذني، ثم تسألني: لم ذاك؟ فأقول: فيك يا رب.
فبر الله قسمه، وشوهد في آخر المعركة وأنفه وأذنه معلقتان في خيط رضي الله تبارك وتعالى عنه.
كيف لا يخافون من هذا الدين إذا عاد لتربية الأمة من جديد وهو الذي أخرج سعد بن خيثمة وأبوه خيثمة؟! فقد تنازعا على الخروج للقتال في سبيل الله، وكان لا بد أن يقيم أحدهما ليرعى النساء والأولاد، والآخر يخرج للجهاد، فيقول الابن لأبيه: والله لو كان غير الجنة لآثرتك به، فيقترعان وتخرج القرعة للابن، فيذهب إلى المعركة ويُقتل شهيداً في سبيل الله.
كيف لا يخافون من دين يصنع رجالاً لا يعرفون البكاء إلا من خشية الله، أو البكاء أسفاً على فوات فرصة الجهاد في سبيل الله تبارك وتعالى؟! يقول عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: عُرضتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر فاستصغرني ولم يقبلني، فما أتت علي ليلة قطّ مثلها من السهر والحزن والبكاء، إذ لم يقبلني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما كان العام المقبل عُرضت عليه فقبِلني، فحمدتُ الله على ذلك.
وكيف لا يخافون من دين يربي نساءه على أنهن لا يرين غايةً للحمل والولادة والتربية أقرب من تقديم فلذات الأكباد إلى ساحات الجهاد؟! هذه هي تربية الإسلام، وليست تربية الذي قال: أسرة المستقبل المظلم! هذه تربية الإسلام للنساء المسلمات: أن المرأة لها رسالة خالدة، وهي أن تخرج رجالاً يجاهدون في سبيل الله، وتخرج رجلاً لخدمة هذا الدين، والجهاد في سبيله، كـ أم حارثة التي ذكرنا قصتها آنفاً.
وكيف لا يخافون من دين يصنع الفداء والفدائيين الذين لم يعرف لهم التاريخ نظيراً؟! مثل البراء بن مالك الذي كان يقود مجموعة من الجند في إحدى المعارك، فاستعصت عليه قلعة من قلاع العدو، فقال لجنده: ضعوا أتراسكم بعضها إلى جانب بعض، واجعلوني فوقها، وادفعوا بي دفعة رجل واحد، أفتح لكم الحصن بعون الله تعالى، فيفعلون ما أمرهم، ويحملونه على الترس ويدفعون به إلى داخل سور القلعة، فيقفز وحده في الداخل على رءوس الأعداء كالصاعقة، ويقتل منهم أكثر من عشرين رجلاً، ويفر الباقون فزعاً مما رأوا، ويفتح البراء القلعة، وينتصر المؤمنون! وهذا معاذ بن عمرو بن الجموح في معركة بدر، يقول: سمعت القوم يقولون: أبو الحكم لا يُخلَص إليه.
أي: أن هناك قائداً من قيادات المشركين وهو أبو جهل شديد البأس لا يستطيع أحد أن يصل إليه، يقول: فلما سمعته جعلته من شأني -يعني: كأنه قال: أنا له- فصمدت نحوه، فلما أمكنني حملت عليه فضربته ضربة أطنت قدمه بنصف ساقه، فضربني ابنه عكرمة على عاتقي، فطرح يدي -أي: قطع يده- فتعلقت بجلدة من جنبي، وأجهدت، ولقد قاتلت عامة يومي، وإني لأسحبها خلفي، فلما آذتني وضعت عليها قدمي، ثم تمطيت عليها حتى طرحتها! ظلت يده معلقة وهو يجرّها وراءه، حتى آذته، وما استطاع أن يتحرك، فداس عليها وقطعها! كيف لا يخاف الكفار من دين يصنع رجالاً مسلّطين على الكفار، هوايتهم ملاحقة الظالمين، ونزال الطغاة المستكبرين؟! مثل خالد بن الوليد رضي الله عنه، سيف الله المسلول، فالكفار يخافون من مثل هذا، وهناك الكثير مما لا يتسع المقام لبسطه.