[الأدب التاسع: عدم قضاء الحاجة في طريق الناس وظلهم وغيرهما]
هناك أماكن معينة يجتنبها الإنسان عند قضاء الحاجة، يقول الإمام ابن قدامة رحمه الله تعالى: ولا يجوز أن يبول في طريق الناس ولا مورد ماء ولا ظل ينتفع به الناس؛ لما روى معاذ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اتقوا الملاعن الثلاث: البراز في الموارد، وقارعة الطريق، والظل) رواه أبو داود وابن ماجة والبيهقي بإسناد جيد.
قوله: (البراز) بالفتح أو الكسر.
قوله: (في الموارد) أي: موارد المياه؛ وبعض العلماء قالوا: المورد: هو الطريق.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اتقوا اللاعنين -وفي بعض الروايات: اتقوا اللعانين- قالوا: وما اللعانان -أو وما اللاعنان- يا رسول الله؟! قال: الذي يتخلى في طريق الناس أو في ظلهم) أخرجه مسلم.
ومن الآداب: ألا يبول تحت شجرة مثمرة؛ لئلا تسقط الثمرة عليه فتتنجس، أما في حال عدم وجود الثمرة فلا بأس، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان أحب ما استتر به لحاجته هدف أو حائش نخل.
ولا يبول في الماء الدائم، قليلاً كان الماء أو كثيراً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم: (نهى عن البول في الماء الراكد) متفق عليه، ولأن الماء إذا كان قليلاً تنجس به، وإن كان كثيراً فربما تغير بتكرار البول فيه، وأما الجاري فلا يجوز التغوط فيه؛ لأنه يؤذي من يمر به، وإن بال فيه فلا بأس؛ لأنه كثير لا يؤثر فيه البول؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم خصص النهي عن البول بالماء الراكد، فدل على أن الجاري بخلافه، والأولى اجتنابه.
أيضاً: لا يبول على ما نهي عن الاستجمار به كالعظم وسائر المطعومات، فقد نهينا عن الاستجمار بها، فمن باب أولى لا يجوز أن يبول عليها؛ لأن هذا أبلغ من الاستجمار بها، العظام لا يستجمر بها؛ لأنها زاد إخواننا من الجن، فمن باب أولى لا يبول عليها.
وقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (اتقوا الملاعن الثلاث) الملاعن: هي مواضع وأماكن اللعن، وهي جمع ملعنة، مثل مقبرة ومجزرة، فالمقبرة موضع القبر، والمجزرة موضع الجزر، وكذلك الملعنة موضع اللعن.
وفي رواية أخرى: (اتقوا اللعانين) والمقصود بهما صاحبا اللعن، يعني: اللذين يلعنهما الناس كثيراً.
وفي رواية أبي داود: (اللاعنان) أي: الأمران الجالبان للعن؛ لأن من فعلهما لعنه الناس في العادة، فلما صارا سبباً للعن أضيف الفعل إليهما.
قال الخطابي: وقد يكون اللاعن بمعنى الملعون، فالتقدير: العنوا الملعون فاعلهما.
قال الخطابي: وغيره الموارد هي طرق الماء، واحدها مورد.
قال: والمراد بالظل مستظل الناس الذي اتخذوه مقيلاً ومناخاً ينزلونه أو يقعدون تحته، وليس كل ظل يمنع قضاء الحاجة تحته؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد قضى حاجته تحت حائش النخل كما ثبت ذلك في صحيح مسلم، وللحائش ظل بلا شك.
قوله: (البراز) قال الخطابي: وهو هنا بفتح الباء البراز، وهو الفضاء الواسع من الأرض، كنوا به عن قضاء الحاجة كما كنوا عنه بالخلاء، وأهل الحديث يروونه البراز بكسر الباء، قال الخطابي: وهو غلط.
ثم ذكر أن البراز بالكسر الغائط نفسه لا الفضاء.
وأما قارعة الطريق فهي أعلى الطريق، وقيل: صدر الطريق أو ما برز منه، والطريق تؤنث وتذكر تقول: هذا طريق أو هذه طريق.
إذاً: اتقاء الملاعن الثلاث متفق عليه، وقضاء الحاجة في هذه الملاعن مكروه كراهة تنزيه لا تحريم كما قال بعض العلماء، لكن صحح الإمام النووي أنه ينبغي أن يكون محرماً؛ لهذه الأحاديث، ولما فيه من إيذاء المسلمين، وفي كلام الخطابي وغيره إشارة إلى تحريمه.