[الأدلة الشرعية على حرمة صنع تماثيل ذوت الأرواح]
يقول الله تعالى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} [البقرة:٢٥٦]، لقد احتاط الإسلام أشد الاحتياط في قضية التوحيد، وتواترت النصوص الصحيحة الصريحة على تحريم عمل التماثيل ذوات الأرواح مطلقاً، وقد حكى الإجماع على تحريم ذلك غير واحد من العلماء.
فمن تلك الأدلة: ما ثبت في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الذين يصنعون الصور يعذبون يوم القيامة، يقال لهم: أحيوا ما خلقتم) وكلمة (الصور) تشمل فيما تشمل التماثيل، بل أولى شيء أن يدخل في الصور هو التمثال.
وفي الصحيحين -أيضاً- عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورون).
وفيهما -أيضاً- عن سعيد بن أبي الحسن قال: جاء رجل إلى ابن عباس رضي الله عنهما فقال: إني رجل أصور هذه الصور، فأفتني فيها.
فقال له: ادنُ مني.
فدنا منه، ثم قال: ادن مني.
فدنا منه، حتى وضع يده على رأسه، قال: أنبئك بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (كل مصور في النار يجعل له بكل صورة صورها نفساً فتعذبه في جهنم) وقال: إن كنت -ولا بد- فاعلاً فاصنع الشجر وما لا نفس له -يعني: ما لا روح فيه.
وفي الصحيحين أيضاً عن أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن من أشد الناس عذاباً يوم القيامة الذين يشبهون بخلق الله).
وفي صحيح البخاري عن أبي جحيفة رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن المصور).
وفيهما -أيضاً- عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صور صورة في الدنيا كلف يوم القيامة أن ينفخ فيها الروح، وليس بنافخ).
وفيهما عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله عز وجل: ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي، فليخلقوا حبة، فليخلقوا ذرة، فليخلقوا شعيرة).
وعن جابر رضي الله عنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصورة في البيت، ونهى أن يصنع ذلك) رواه الترمذي وصححه.
وروى -أيضاً- الترمذي -وصححه- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تخرج عنق من النار يوم القيامة لها عينان تبصران، وأذنان تسمعان، ولسان ينطق يقول: إني وكلت بثلاثة: بكل جبار عنيد، وبكل من دعا مع الله إلهاً آخر، وبالمصورين).
وروى الإمام أحمد من حديث عاصم عن أبي وائل عن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أشد الناس عذاباً يوم القيامة رجل قتله نبي أو قتل نبياً، وإمام ضلالة، وممثل من الممثلين) و (ممثل) معناه: صانع التماثيل.
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تدخل الملائكة بيتاً فيه تماثيل أو تصاوير).
وفي حديث أبي طلحة: (لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب ولا صورة).
وعن معاوية رضي الله تعالى عنه أنه خطب الناس فذكر في خطبته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم سبعة أشياء، وذكر منها التصاوير.
وهذه الأحاديث دلالتها ظاهرة جداً على تحريم الصور ذوات الأرواح بكافة أشكالها، وعلى أن ذلك من الكبائر، فلعن المصور، وبيان أنه أشد الناس عذاباً يوم القيامة، وأنه من أظلم الناس، وبيان أن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه تمثال أو صورة يندر أن نجد مثله يتحقق في محرم من المحرمات.
يقول الإمام النووي رحمه الله: قال أصحابنا وغيرهم من العلماء: تصوير صورة الحيوان حرام شديد التحريم - أي ما فيه روح- وهو من الكبائر؛ لأنه متوعد عليه بهذا الوعيد الشديد المذكور في الأحاديث.
ونلاحظ -أيضاً- من هذه النصوص أن التحريم أتى عاماً لم يستثن فيه شيء، ولم يفرق فيه بين تمثال وآخر، فلم يفرق بين كونه تمثالاً يعبد أو لا يعبد، أو تمثالاً مأخوذاً للزينة، أو تمثالاً لحفظ التراث والسجل البشري الذي يقاس عليه تاريخ الأمم إلخ، أو كان التمثال صغيراً أم كبيراً، حديثاً أم قديماً، فيلاحظ في الأحاديث أن صيغها صيغ عموم؛ ففي قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (من صور صورة) (من) هذه من صيغ العموم، وقوله: (كل مصور في النار) (كل) صيغة عموم، وقوله: (لا تدع صورة إلا طمستها) لفظ (صورة) نكرة في سياق النفي، فتفيد العموم، وقول النبي عليه الصلاة والسلام: (أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورون) (أل) هنا في قوله (المصورون) للاستغراق، فتفيد العموم.
فإذاً الشريعة تحرم التماثيل أياً كان نوعهاً، سواء اتخذت للعبادة أو كانت لا تعبد، والأحاديث تتناول كافة أشكال التماثيل والتصاوير بمعناها ومعقولها فتشملها علة التحريم.