وجاء رجل إلى يونس بن عبيد فشكا إليه ضيقاً من حاله ومعاشه واغتماماً بذلك، فقال: أيسرك ببصرك مائة ألف؟ فالرجل جاء يشكو أنه لا يجد القوت ولا الطعام وكثرة العيال وهم الدنيا والفقر، فشكا إليه ولم يذكر نعم الله عليه ولم يحمد الله سبحانه وتعالى، ولم يعدل في القضية؛ لأنه إذا سلب منه شيء أو ضيق عليه في باب فقد وسع عليه في أبواب كثيرة من النعم التي لا تحصى، فجاء هذا الرجل إلى يونس بن عبيد فشكا إليه ضيقاً من حاله ومعاشه فقال: أيسرك ببصرك مائة ألف؟ يعني: أيسرك بدل بصرك مائة ألف دينار؟ قال: لا.
قال: فبسمعك؟ قال: لا، قال: فبلسانك؟ قال: لا، قال: فبعقلك؟ قال: لا، ثم قال يونس: ألا أرى لك مئين ألوفاً وأنت تشكو الحاجة! أي: عندك مئات الآلاف وأنت تشكو الفقر.
كثير من النعم لا نحس بها؛ لأننا مغمورون فيها ولم نبتل بفقدها، فلنذكر نعمة قد لا يستحضر أحد أنها نعمة، وهي خروج البول والغائط من الإنسان، كما جاء أحدهم لأحد الملوك وقد أصيب باحتباس البول فقال له: كم تدفع في سبيل أن أعالجك حتى تخرج هذه البولة؟ فذكر له الأرقام الفلكية التي تليق بالملوك والرؤساء.
هو يقول: أنا مستعد أن أتنازل عن جميع ملكي في سبيل أن أعالج من هذه الحالة، فقال: اتق الله في ملك لا يساوي مثل هذا الشيء الذي يخرج من بدنك، فهذه نعمة، لكن قل من يستحضرها إلا إذا ابتلاه الله سبحانه وتعالى.