للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ابن باز وتوليه رئاسة الجامعة الإسلامية]

تخلى الشيخ رحمه الله تعالى عن عمله في القضاء عام: (١٣٧١هـ) ليتفرغ للتدريس في المعاهد والكليات حينما بدأ عهد افتتاح هذه الكليات والمدارس في الرياض، وبقي هناك إلى سنة: (١٣٨٠هـ)، ثم انتقل بعد ذلك إلى المدينة النبوية نائباً عن أستاذه سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله تعالى في رئاسة الجامعة الإسلامية سنة افتتاحها، ثم تولى رئاسة الجامعة إلى عام: (١٣٩٥ هـ) حيث عهد إليه برئاسة إدارتها فاستقر في الرياض، فكان لا يغادرها إلا لحضور المؤتمرات التي يكلف بها أو لأداء العمرة أو الحج الذي يكاد الشيخ لم ينقطع عنه على الإطلاق، فكل من صحب الشيخ رحمه الله تعالى في عمره المبارك الطويل يقولون: ما انقطع الشيخ عن الحج حتى هذا العام رحمه الله تعالى.

وكان يكره أن يسمي مرضه الشديد بالسرطان رحمه الله تعالى.

ولما زار الملك فيصل رحمه الله الجامعة الإسلامية للمرة الأولى عام: (١٣٨٤هـ) كان الشيخ رحمه الله تعالى موجوداً في هذه المناسبة، وعرض فيها المقدم -وهو الشيخ محمد المجذوب - انطباعاته عن الجامعة الإسلامية ورسالتها في العالم، وهو يعني بذلك المدح والثناء على جهود الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى في إدارته، فيقول: هذه الحديقة من أغراس بيتكم وقد بدا ينعها واخلولق الثمر ردت إلى طيبة العظمى قيادتها فكل صدع به من نفحها أثر فانظر إلى أمم الدنيا بساحتها في وحدة لم يكن في لهفها شجر جاءت طلاب الهدى من كل ناحية ظمأى إلى النور تحدوها المنى الكبر فيومها دأب في الدرس متصل ومعظم الليل في تحصيصه السفر لا ترتضي الرأي إلا أن تغيبه طريقة المصطفى والآي والسور جيل الهداة الذي كفوا لمطلعه روح الكفاح ويرنو نحوه القدر فصدق هذا التوقع والأمل حتى استعاد مهبط الوحي مركزه المشع على عالم الإسلام، وانتشر خريجو هذه الجامعة المباركة في مختلف القارات لاسيما الأفريقية، وكان من ذلك خير كثير.

ولا شك أن للشيخ رحمه الله تعالى أثره العميق في كل قدر أحرزته الجامعة تحت إشرافه أولاً نائباً لرئيسها، ثم رئيساً مستقلاً لها بعد وفاة رئيسها الأول الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ تغمده الله بعفوه، فقد كان الشيخ رحمه الله تعالى يتفقد الفصول بين الحين والآخر، فيستمع إلى دروس المشايخ، ويلقي توجيهاته الحكيمة هنا وهناك، وأحياناً كان يعرض في بعض الدروس ما يختلف مع طريقته في اتباع الدليل وتحريه، فيعقب على ما سمع بما يؤدي الغرض في منتهى الكياسة والتقدير، وكان يتردد على قاعات المدرسين فيسألهم عن صحتهم وراحتهم، ويحاورهم في شئون التعليم، ويشجعهم على المزيد من الجهد في خدمة الطلبة ابتغاء ما عند الله، ويدعو المدرسين في مطلع كل عام دراسي لاجتماع عام، يضم أساتذة المعاهد مرة، وأساتذة الكليات الأخرى مرة؛ ليتابع أمور الجامعة، مؤكداً على وجوب الاهتمام بأصول العقيدة التي كان الشيخ يعتبرها المنطلق العملي لتكوين شخصية الطالب.

وكان اهتمامه كثيراً بلغة القرآن الكريم التي يتوقف عليها مذاق هذا الطالب في الفهم عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، خاصة أن في الجامعة طلاباً من غير الناطقين بالعربية، فلذلك كان يهتم بأن يعطي المدرسون الاهتمام الكبير بعدم اللحن، وأن يكونوا قدوة في نطقهم وسلوكهم، وكان يحرضهم على التزام اللغة الفصحى في كل حوار مع الطلاب.

وفي نهاية العام الدراسي يعقد مع المدرسين اجتماعاً عاماً آخر، فيتدارس شئون المقررات وملاحظاتهم، ويرى آراءهم وما يتعلق بسلوك الطلاب، والانطباعات التي حصلت من خلال هذا العام المنصرم، ويعرض على مجلس الجامعة فوائد ونتائج ذلك.

وكان الشيخ يشرف على أنشطة دار الحديث طوال السنة، ويلقي محاضراته فيها.