[المنهج العلمي الصحيح في معرفة الأمور الغيبية الموجودة والماضية والآتية]
أما القسم الآخر وهو الأخطر فهو العلم بحقائق موجودة، أو قد وجدت من قبل، أو ستوجد في المستقبل، فهو علم بلا حدود، وهذا لا سبيل على الإطلاق للوصول إلى العلم به، وإدراك حقائقه على ما هي عليه إلا من خلال نافذة الوحي فقط؛ لأن الذي خلق هذه الأشياء هو الذي يخبرنا بذلك، وأما غيره فلا يمكن أن يخبرنا بحقائق ذلك.
فلذلك عرفنا ما جرى في هذا الوجود قبل أن تخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، حينما أمر الله القلم فقال له: (اكتب).
وعرفنا أن أول مخلوقات الله سبحانه وتعالى، وهو العرش.
وعرفنا أن الجن كانوا يعيشون في الأرض قبلنا، وأنهم أكثروا فيها الفساد.
وعرفنا قصة خلق آدم بالتفصيل، وإخراجه من الجنة، وسبب ذلك، وتوبة الله عليه.
وعرفنا قصص جميع الأنبياء عن طريق هذه النعمة العظمى نعمة الوحي.
كذلك نعرف ونجزم قطعاً بأحداث مستقبلية ستقع، لا لأننا نعلم الغيب، ولكن لأنه أخبرنا من يخبر عمن يعلم الغيب: {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:٤] وهو النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
فأخبرنا عن أشراط الساعة، وما سيحصل في آخر الزمان بتفاصيل دقيقة، فذكر فتنة الدجال، وأشراط الساعة الصغرى والكبرى بكل تفاصيلها، وما يعصمنا منها.
وأيضاً هذا من العلم بالحقائق على ما هي عليه، وعلى ما ستكون عليه، ولا سبيل إلى ذلك إلّا عن طريق نعمة الوحي.
وكذلك نعرف أن الجنة موجودة الآن، وأن النار موجودة الآن، وما صفتها وما عدد أبوابها، وتفاصيل أحوال أهل الدارين، وما سيحصل في يوم القيامة إلى آخر كل هذه التفاصيل، فهذا علم.
وعرفنا صفات الله سبحانه وتعالى وأفعاله وما يتعلق بتوحيده عن طريق الوحي أيضاً، وهو أرقى وأشرف العلوم على الإطلاق.
فإذاً: لا سبيل لإدراك هذه الحقائق إلا عن طريق الوحي، فالقوم في مناقشتهم وبحثهم في هذا الأمر، ووسائلهم في ذلك، لا يمكن أبداً أن تقدم جواباً شافياً يطمئن إليه القلب والنفس عن ديانة الإنسان الأول.
فالمصدر الوحيد الذي يمكن من خلاله أن نستشرف هذا الغيب، وأن نقف على وجه الصواب فيه، هو الوحي الإلهي الذي يطلعنا على حقائق الماضي والحاضر والمستقبل التي تغيب عن عقولنا وحواسنا، إنه القرآن الكريم كلام الله عز وجل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من عزيز حميد.