لقد حث الشارع على حضور مجالس الذكر، وحينما نذكر كلمة الذكر فلا يتبادر إلى الذهن التسبيح والتكبير والتهليل فقط، بل إن كل عامل لله بطاعة فهو ذاكر له، وأشرف مجالس الذكر هي مجالس العلم، وقد كان بعض أئمة السلف في مجلس علم يعلم الحلال والحرام، فلما أطالوا المجلس قال أحد الطلاب: نجلس الآن نذكر الله تعالى، فغضب هذا العالم وقال: فيم كنا إذاً؟! يعني: أن مجالس الحلال والحرام هي من أعظم مجالس الذكر، وهي أغيظ للشيطان من غيرها؛ لأنها تبصر الناس بمعالم دينهم وطاعة ربهم سبحانه وتعالى، فمجالس الذكر أعم من أن تكون مجالس التسبيح والتهليل والتكبير، بل إن أشرف مجالس الذكر هي مجالس العلم كما ذكرنا، بل إن مجلس العلم أفضل من صلاة النافلة، فالإنسان الذي يترك مجلس العلم ويشتغل بالنافلة قليل الفقه، ولو علم لما أعرض عن مجلس العلم؛ لأن مجلس العلم أفضل عند الله عز وجل من الاشتغال بصلاة النافلة.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(إن لله تبارك وتعالى ملائكة سيارة يتبعون مجالس الذكر)، ونحن نعلم أن الملائكة لهم وظائف شتى، فهناك ملائكة للريح، وملائكة لكذا، ملائكة لكذا، فهذه الملائكة ليست لها وظيفة سوى أنهم يدورون في الأرض يبحثون عن مجالس الذكر، يقول النبي عليه الصلاة والسلام:(إن لله تبارك وتعالى ملائكة سيارة يتبعون مجالس الذكر، فإذا وجدوا مجلساً فيه ذكر قعدوا معهم، وحف بعضهم بعضاً بأجنحتهم حتى يملئوا ما بينهم وبين السماء الدنيا، فإذا تفرقوا عرجت هذه الملائكة إلى الله عز وجل وصعدوا إلى السماء، فيسألهم الله عز وجل -وهو أعلم بهم- من أين جئتم؟ فيقولون: جئنا من عند عباد لك في الأرض يسبحونك ويكبرونك ويهللونك ويحمدونك ويسألونك، قال: وماذا يسألونني؟ قالوا: يسألونك الجنة، قال: وهل رأوا جنتي؟ قالوا: لا أي رب! قال: فكيف لو رأوا جنتي؟! قالوا: ويستجيرونك، قال: ومم يستجيرونني؟ قالوا: من نارك يارب! قال: وهل رأوا ناري؟ قالوا: لا، قال: فكيف لو رأوا ناري؟! قالوا: ويستغفرونك، فيقول: قد غفرت لهم، أعطيتهم ما سألوا، وأجرتهم مما استجاروا، فيقولون: رب! فيهم فلان عبد خطاء -أي: كثير الخطايا والذنوب- إنما مر فجلس معهم -أي: كأن له حاجة عند أحدهم، أو هو عابر سبيل، ولم يقصد التواجد في مجلس الذكر لأجل الذكر- فيقول: وله غفرت، هم القوم لا يشقى بهم جليسهم).
وهذا الحديث دليل قوي على أن بركة الصالحين تعم من يجلس في مجالسهم حتى ولو لم يكن منهم، ومن كثّر سواد قوم حشر معهم.