نعرض بعض العجائب من أقوال الغزالي في كتبه، وخاصة كتاب الإحياء.
يقول: وأما حياة الخلوة ففائدتها دفع الشواغل، وضبط السمع والبصر، فإنهما دهليز القلب، وليس يتم ذلك إلا بالخلوة في بيت مظلم، وإن لم يكن له مكان مظلم فليلف رأسه في جيبه، أو يتدثر بكساء أو إزار، ففي مثل هذه الحالة يسمع نداء الحق، ويشاهد جلال الحضرة الربوبية.
واستدل على ذلك بقوله:{يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ}[المدثر:١]، وقوله سبحانه وتعالى:{يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ}[المزمل:١]، فهو ينصح الشخص الذي يدخل في الخلوة بأن يخلو بنفسه في زاوية ويقتصر على الفرائض، ولا يقرن همه بقراءة القرآن، ولا بالتأمل في التفسير، ولا بكتب حديث ولا غيره.
فنقول: ومن أين يأتيه الخير إن كان يعتزل القرآن ويعتزل أحاديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟! ويقول أيضاً: واطو الطريق فإنك بالواد المقدس طوى، واستمع بسر قلبك لما يوحى، فلعلك تجد على النار هدى، ولعلك من سرادقات العرش تنادى بما نودي به موسى: إني أنا ربك! ويقول أيضاً: اعلم أن المريد في ابتداء أمره ينبغي أن لا يشغل نفسه بالتزويج، فإن ذلك شغل شاغل يمنعه من السلوك، ويستجره إلى الأنس بالزوجة، ومن أنس بغير الله شغل عن الله، ولا يغرنه كثرة نكاح رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإنه كان لا يشغل قلبه جميع ما في الدنيا عن الله تعالى، فلا تقاس الملائكة بالحدادين، قال أبو سليمان الداراني: من تزوج فقد ركن إلى الدنيا.
فنقول: أين هذا من قول النبي عليه الصلاة والسلام: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج)؟! فهذه دعوة كنسية، ورهبانية ليست من الإسلام في شيء؛ لأنها مناقضة لأصول مقاصد الشريعة العليا.