للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[طرق التخلص من هذه المعصية]

لا شك أن دواء هذه العادة هو عمارة الأوقات بالطاعات.

والدواء الأنفع الذي لا شك في أنه أقرب الطرق إلى العفة هو امتثال أمر النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء).

ومن أنفع الأدوية عمارة الأوقات بالطاعات، وإدمان الذكر، والتفكر في الموت والآخرة.

ومنها تجنب الوحدة، ومصاحبة الصالحين، ولزوم جماعة المسلمين في المساجد، وفي الجنائز، وفي صلوات العيد، وفي حلقات العلم وحلق الذكر، فهذه من أنفع الأدوية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، والثلاثة لا يقربهم الشيطان) ويقول صلى الله عليه وسلم: (لو يعلم الناس ما أعلم من الوحدة ما سار راكب وحده بليل أبداً) وفي بعض الأحاديث: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوحدة، أن يبيت الرجل وحده، أو أن يسافر وحده).

ومن أقوى الأسباب الفراغ، فعند الفراغ يخلو الشيطان بذلك الشاب، فيغريه بارتكاب ما حرم الله سبحانه وتعالى، فمن أنفع الأدوية -كما ذكرنا- مصاحبة الصالحين الذين يذكرونه إذا نسي ويعينونه إذا ذكر.

ولابد من تجنب أهل الفسق وصحبة أهل السوء الذين هم أصدقاء في الظاهر وأعداء ألّداء في الحقيقة والباطن.

وهكذا شغل الفراغ بما ينفع في الدين أو الدنيا، كلعب بعض الرياضات المفيدة، مع استصحاب نوايا حسنة بهذه الأنواع من الرياضة التي تقوي البدن ويستفيد منها المسلم.

ومن ذلك تجنب أماكن الفساد التي فيها الصور المحرمة، وتجنب الجرائد القبيحة، وتجنب أجهزة الفساد كالتلفزيون وغيره؛ فإن من يقومون على أمرها هم ممن يحبون إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا.

ومن أنفعها -كما ذكرنا- الدواء الأول، وهو لزوم الصوم، وهو الذي ذكره النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما سبق.

ومن ذلك -أيضاً- المواظبة على قراءة القرآن، فهو يغني عن كل هذه النصائح الكثيرة بعد الصيام.

ومنها دواء واحد مجمل بعد هذا التفصيل، وهو الذي ورد في قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (عليكم بالصدق؛ فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً).

وقد يقول قائل: ما علاقة الصدق بقضية مثل هذه القضية الفقهية؟! والجواب أن هذه الكلمة -الصدق- هي أعم وأوسع في معناها مما يتبادر إلى الأذهان، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم من حنكته وفطنته جمع لك كل هذا الكلام وأضعاف أضعافه في هذه الكلمة (الصدق) فإنك إذا سئلت: هل تسرق؟ فإن قلتَ: لا وأنت قد سرقت وقعت في الكذب، فخالفت العهد الذي عاهدت الله عليه، والله يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة:١١٩]، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (عليكم بالصدق)؛ لأن الصدق من شأنه أنه هادٍ إلى البر، والبر يشمل جميع أنواع الخيرات، فلذلك كان بعض الشيوخ إذا أتاه بعض أتباعه أو تلامذته تائباً وسأله عن التوبة، وأراد هذا الشيخ أن لا يشتت ذهنه، وأن لا يشوش فكره بكثرة التكاليف يقول له: عليك بالصدق.

فيأمره بالصدق لأنه إذا أمره بالصدق فأتى فقال له: صليت أم لم تصل؟ فإذا كان التزم الصدق فسيقول: لم أصل.

وإن خالف فسيقع في الكذب، فإن لزم الصدق فإنه سوف يتحرج من أن يقع في الفعل الذي يوجب توبيخه ومعاتبته، فمن ثم كانت الوصية من النبي صلى الله عليه وسلم بلزوم الصدق؛ لأن الإنسان إذا استطاع أن يتصف بصفة الصدق وتحرى الصدق -أي: التدقيق والاحتياط الشديد في الصدق- فإنه تفتح له جميع أبواب الخيرات، قال صلى الله عليه وسلم (فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً).