نعود فنسأل أنفسنا سؤالاً آخر يحسم هذه القضية: من هو المنظم الحقيقي للنسل البشري؟ ومن هو المنظم الحقيقي لهذه الكُتَل الهائلة من البشر؟
الجواب
ابتداءً نقول: لا أحد يأتي أبداً إلى هذه الدنيا باختياره وإرادته، بل ولا حتى باختيار أبيه وأمه، فمن الذي ينظم كل هذا؟ بل وأضعاف أضعافه؟! إنه الله الواحد الأحد، ليس الأب، ولا الأم، ولا الطبيب ولا الحكومة، وليس لأحد أبداً أن يتدخل في هذا النظام الذي لا يدبره إلا الله عز وجل:{يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ}[فاطر:١]، فالقدرة الإلهية وحدها هي التي تقوم بالتنظيم الحقيقي للنسل الإنساني.
وأما الدلائل والبراهين التي يقدمها أنصار دعوة تحديد النسل على أساس علم الاقتصاد، فهي في الحقيقة لا تتطلب تنظيم أفراد الأسرة، بل تتطلب تنظيم سكان الدولة، بمعنى: أن هذه البراهين قد تقتضي أن تقدر بكل دقة ما في الدولة من وسائل المعيشة ومن موارد الرزق، ومن جانب آخر: أن نرى ماذا يمكن أن يبلغه عدد السكان ونسبته بالنسبة للوفاة؟ فهذا التوازن لا يمكن أن يتم إلا بأحد طريقين: الأول القضاء على دائرة الزوج والأسرة، وتحويل الرجال والنساء رسميين للدولة، ينتجون وفق تخطيط مرسوم لهذا الغرض، ثم يفصل بينهما إذا تحقق هذا الهدف المنشود.
الثاني: أن يتم التناسل كما يتم في تربية الجواميس والبقر، بوجود مصارف معينه مثل مصارف الدم التي يتم فيها هذا التعاون مع بني البشر.
وكلا الطريقتين مرفوضة عند ذوي الفطرة السليمة، ولذلك فهم مضطرون في الحقيقة إلى أن يلوّنوا الكلام وينوعوا الأساليب التي يسلكونها، فيظهرون الفرار من خطة تنظيم سكان الدولة إلى خطة مقنعة هي: تنظيم أفراد الأسرة.
فبدل أن ينشئوا هذه المعامل التي يريدون جعل الناس فيها كالجواميس والأبقار لتحديد العدد الذي يريدونه، يأتون فيقنعون الناس أن يحولوا كل بيت إلى معمل لتحديد النسل، وتبقى البيوت هي المعامل التي يولّد فيها الأطفال، لكنهم يبذلون كل الجهد من أجل استرضاء هذه المعامل الصغيرة؛ كي تحد من إنتاجها من تلقاء نفسها، وهذا الاسترضاء يتم بإحدى وسيلتين: الوسيلة الأولى: مناشدة الأفراد باسم مصلحتهم الشخصية، بأن يحافظوا على مستوى معيشتهم بخفض عدد الأطفال لكي يتحسن مستقبلهم، ويوهمون الناس أن شبح الفقر سوف ينتشر لكثرة إنجاب الأطفال.
نقول لهم: إن الله سبحانه وتعالى خلق الأولاد بأفواه ليأكلوا بها، ولكنه خلقهم أيضاً بأيدٍ وعقول وإمكانات يمكن أن تكون طاقات عظيمة في هذا الوجود، لكن التركيز عندهم يكون على الاستهلاك في فترة الحضانة بالنسبة للصغار، ولكن هذه حضانة اقتصادية، ولا ننسى أبداً أن العامل الأساسي في عوامل الإنتاج هو الإنسان، وهو ثروة عظيمة جداً كما يقول العقلاء من كل الأمم، حتى أن أيزنهاور وقد كان رئيساً لأمريكا سنة (٥٩) تقريباً، كان يقول: لن أسمح بدخول خطة تحديد النسل ما دمت على قيد الحياة، أو ما دمت في البيت الأبيض!! لماذا يقول هذا الكلام؟! لأنهم يعرفون أن كثرة النسل من أسباب القوة بالنسبة لأي أمة تنظر للمستقبل، فهم يدخلون للناس من مدخل المصلحة الشخصية؛ لأنهم لو خاطبوا الناس بالقومية والوطنية والدعاوى العامة فلن يستجيب الناس لها، فأغلب الناس قلّما يفرضون الحظر على أنفسهم بأنفسهم باسم المصلحة الاجتماعية، لكنهم يناشدونهم باسم مصلحتهم الشخصية كي يحافظوا على مستوى المعيشة بخفض عدد الأطفال حتى يتحسن مستقبلهم، ويحافظوا على الرفاهية الذاتية، وتكون النتيجة: أن الناس يستجيبون لهذا، ويسترسلون في الحد من الإنجاب لهذا الغرض الشخصي، دون اعتبار المعدل المطلوب للإنجاب.