ولنتأمل قول الله تبارك وتعالى عن إبراهيم عليه السلام:{وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ}[الأنبياء:٥٧]، {فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلا تَأْكُلُونَ * مَا لَكُمْ لا تَنطِقُونَ * فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ}[الصافات:٩١ - ٩٢] فإبراهيم عليه السلام ما كان له أتباع كثيرون، وكان غريباً في قومه، ومع ذلك قام بتحديهم بتكسير هذه الآلهة وهذه الأصنام التي يعبدونها من دون الله، والله سبحانه وتعالى قال لنا:{قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ}[الممتحنة:٤].
أي: لكم أسوة حسنة في إبراهيم في هذه الأشياء التي ذكرت من مباينة الكفار ومعاداتهم وترك موالاتهم، إلا في قوله لأبيه:(لأستغفرن لك) فإنه لا أسوة لكم في هذا.
فاستثناء هذا الأمر وحده دليل على أنه أسوة فيما عدا ذلك، فيؤخذ منه مشروعية تكسير هذه الأصنام.
ويقول الله تبارك وتعالى -أيضاً-: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا}[الإسراء:٨١]، وفي صحيح البخاري وغيره عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:(دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة وحول الكعبة ثلاثمائة وستون صنماً -وفي رواية: نصباً- فجعل يطعنها بعود في يده، وجعل يقول:{جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا}[الإسراء:٨١]).
يقول القرطبي: في هذه الآية دليل على كسر نصب الأوثان إذا غَلب عليهم.
فهنا أمر مهم جداً، ونحن نقر به، وهو أن تكسير هذه الأوثان مرتبط بفقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو مشروط بالقدرة، وستلاحظ كلام العلماء فانتبه واستصحب هذا، فالعلماء عندما يتكلمون يشترطون ويقولون: موضوع التمكين والغلبة.
بدليل أن الرسول عليه الصلاة والسلام نفسه في المرحلة المكية كانت الأصنام حول الكعبة فما أزالها، لكن حينما دخلها فاتحاً كسر هذه الأصنام، فعنصر التمكين هنا لابد من أن يؤخذ في الاعتبار.