[خطورة اقتناء جهاز التلفاز وتهافت المسلمين على ذلك]
للأسف الشديد أن هذه المحنة التي تشيع فينا لا توجد سلطة في أي دولة في العالم مهما بلغ جبروتها وطغيانها تجبر الناس على أن يقتنوا جهازها، فالظلم يقع من الناس لأنفسهم لا ممن يرعاهم فحسب، وكثير من الناس ينسبون ما يحصل بنا في هذه الأيام من الكوارث والبلايا إلى الشؤم من شخص معين أو من عهد معين، والحقيقة أنه لا شؤم ولا طيرة، ولكن الفتنة ليست من هؤلاء الظالمين فحسب، ولكن الأمر كما يقول تبارك وتعالى: {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأنعام:١٢٩] أي: كذلك نولي بعض الظالمين على بعض.
وعبر السلف عن ذلك بقولهم: أعمالكم عمالكم.
إذاً: الكوارث تترى بين وقت وآخر، والنذر تتوالى، والعقوبات مطردة كلها بلايا وكوارث، فما السبب فيها؟ {قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} [آل عمران:١٦٥].
فهذا كله من شؤم معاصينا وتفريطنا.
ثم إن هناك من يعترضون على من يقولون: هذه الكوارث بسبب المعاصي فيقولون: أين هي المعاصي؟! أليس يحصل في اليابان وفي غيرها كوارث لأنهم كفرة ومشركون، فهم أولى بأن تحصل عندهم زلازل.
ولا نقول كما قال الشاعر الفاطمي: ما زلزلت مصر لظلم ألم بها لكنها رقصت من عدلكم طربا لكن في نفس الوقت -أيضاً- لا نقول بنظرة الشؤم، وإن كان شؤم معاصينا يعمنا أجمعين، كما قال عز وجل: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال:٢٥].
يقول الشاعر: فبذنوبنا دامت بليتنا والله يكشفها إذا تبنا.
فالمؤلم أن الناس ليسو في حالة غفلة فقط، بل في حالة رغبة محمومة وأكيدة، بحيث إنهم يتصورون إنَّ هذه الوسائل كالماء والهواء، وإذا سمع الواحد منهم عن رجل قد طهر بيته من دنس هذا الجهاز يقول: كيف يعيش؟! كيف يطيق الحياة؟! هل يمكن أن يعيش إنسان بدون هذا القوت الضروري الذي صار عندهم كالماء والهواء؟! إن قصتنا مع هذا الجهاز تشبه الفريق الذي أراد أن يحدث خرقاً في السفينة كي لا يزعج من فوقه إذا أراد أن يأتي بالماء من أعلى، فلو تركوه هلكوا أجمعين، ولو أخذوا على يديه نجوا أجمعين، فهذا هو غرضنا من تناول هذه الفتنة الفتاكة والفتانة.
ولا شك أن أخطر أنواع العقوبة هي عقوبة الاستدراج التي يسلطها الله سبحانه وتعالى على العباد، ومن الاستدراج أن يسلط عليهم الغفلة، قال عز وجل: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} [التوبة:٦٧] وقال سبحانه: {نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ} [الحشر:١٩] لأن هذا الذي نسي نفسه لم يسع في فكاكها، ولم يسع في خلاصها، بل يرى أنه إذا استطاع أن يعيش حياته بالطول وبالعرض دون أن يضع في حسبانه مصيره الذي ينتظره في الآخرة فإن ذلك شطارة ومكسب حققه.
فالحقيقة أن بداية النجاة هي الشعور بالخوف تماماً، كالإنسان الذي يمس قدَمَه دبوس أو نار أو شيء ملتهب، فإذا كانت الأعصاب سليمة وعنده إحساس فبسرعة يبعد أعضاء جسمه عن هذا الخطر الذي يؤذيه، أما إذا فقد الإحساس كمريض السكر -مثلاً- الذي وصل به الحد إلى فقد الإحساس في قدمه فما أسهل أن تؤذى قدمه بهذه الأشياء وهو لا يشعر، وقد لا يفيق إلا بعد فوات الأوان.
فهذا فيما يتعلق بمظاهر هذا الإدمان الذي وصلنا إليه.