[مقدمة عن فضل من أسلم من أهل الكتاب]
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم! صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم! بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
ثم أما بعد: فعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: (كنت تحت راحلة رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، فقال قولاً حسناً، فكان فيما قال: من أسلم من أهل الكتاب فله أجره مرتين، وله مثل الذي لنا وعليه مثل الذي علينا، ومن أسلم من المشركين فله أجره، وله مثل الذي لنا وعليه مثل الذي علينا) رواه الروياني وسنده حسن.
وعن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه مرفوعاً: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، وأن يستقبلوا قبلتنا، ويأكلوا ذبيحتنا، وأن يصلوا صلاتنا، فإذا فعلوا ذلك فقد حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقها، لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين) رواه أبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح والنسائي والإمام أحمد.
فالحديث الأول فيه فضيلة من أسلم من أهل الكتاب -أي: من اليهود والنصارى-، فمن أسلم منهم فله أجره مرتين؛ لإيمانه بنبيه -سواءٌ موسى أو عيسى عليهما السلام- ثم إيمانه بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم، فلذلك يؤتى أجره مرتين، وله مثل الذي لنا وعليه مثل الذي علينا، أي أنه بعد أن يصير مسلماً يستوي مع المسلمين في الحقوق والواجبات.
ومن أسلم من المشركين فله أجره، وله مثل الذي لنا وعليه مثل الذي علينا، ويفضل الكتابي إذا أسلم على المشرك إذا أسلم، وفي حديث أنس المذكور آنفاً: (فإذا فعلوا ذلك فقد حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقها، ولهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين) والسياق فيمن أسلم وصلى صلاتنا وأكل ذبيحتنا واستقبل قبلتنا.
كذلك حدث أبو البختري أن جيشاً من جيوش المسلمين -وكان أميرهم سلمان الفارسي رضي الله عنه- حاصروا قصراً من قصور الفرس، فقالوا: يا أبا عبد الله - وهي كنية سلمان الفارسي! ألا تنهد إليهم؟ فقال: دعوني أدعوهم كما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوهم.
فأتاهم سلمان فقال لهم: إنما أنا رجل منكم فارسي، وترون العرب يطيعونني.
أي: مع أني فارسي فليس لأحد فضل على أحد إلا بالتقوى، وأنتم تروني أميراً على هؤلاء العرب، ومع ذلك يطيعونني! قال سلمان: فإن أسلمتم فلكم مثل الذي لنا وعليكم مثل الذي علينا، وإن أبيتم إلا دينكم تركناكم عليه، واعطونا الجزية عن يد وأنتم صاغرون إلى آخر الحديث الذي رواه الإمام أحمد والترمذي وحسنه.
ففي هذا كله دليل على بطلان الحديث الشائع اليوم على ألسنة كثير من الناس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال في أهل الذمة (لهم ما لنا وعليهم ما علينا)، وليس لهذا أصل في دين الإسلام أن يقال في أهل الذمة من اليهود والنصارى: (لهم ما لنا وعليهم ما علينا)، بل هذان الحديثان -حديث أبي أمامة وحديث أنس رضي الله تعالى عنه- يبطلان هذا الكلام؛ لأنهما صريحان في أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قال ذلك فيمن أسلم من المشركين ومن أهل الكتاب، ومن أسلم من أهل الكتاب فله أجره مرتين، وله مثل الذي لنا وعليه مثل الذي علينا، ومن أسلم من المشركين فله أجره، وله مثل الذي لنا وعليه مثل الذي علينا.
وحديث أبي أمامة فيه فضيلة من أسلم من أهل الكتاب كما أشرنا آنفاً، والنصوص الشرعية واضحة بتفضيل أهل الكتاب على المشركين، وإنما كان ذلك لأن أهل الكتاب يؤمنون بوجود الله سبحانه وتعالى، ويؤمنون بمبدأ النبوة والرسالة مع ما طرأ على عقائدهم من الزيغ والتحريف والضلال المبين، ولذلك فقد حصل الكثير من المواقف العظيمة التي أسلم فيها كثير من الوجهاء والأكابر والعلماء والمقدمين عند أهل الكتاب، وكان لبعضهم قصص يمكن أن تدخل تحت طائلة القصص التي أشار الله سبحانه وتعالى إليها في قوله عز وجل: {وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ} [هود:١٢٠]، والقصص -كما قال بعض العلماء- جند من جنود الله.
ونحن إذا عودنا أنفسنا وأهلينا وأولادنا على أن نثبت إيمانهم ونزيده بالقصص النافعة، أو القصص الحق كما قال تعالى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ} [يوسف:٣] إذا ربطنا أنفسنا دائماً بأحسن القصص فإنها تعتبر عبرة للمعتبر وتثبيتاً للقلوب.