[وصاياه صلى الله عليه وسلم لأصحابه وأمته في مرض موته]
كان النبي صلى الله عليه وسلم أثناء ذلك يطرح خميصة على وجهه، فإذا اغتم وآلمه المرض كشفها عن وجهه صلى الله عليه وسلم، فكان النبي صلى الله عليه وسلم في هذه اللحظات الأخيرة من حياته يقول:(لعنة الله على اليهود والنصارى؛ اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) فكانت هي الوصية الأخيرة للنبي صلى الله عليه وسلم، كما في بعض الروايات عن عائشة رضي الله عنها:(يحذر ما صنعوا) تعني: يحذر هذه الأمة من أن تصنع مثل صنيع اليهود والنصارى، فعجباً لغربة الإسلام وإعراض المسلمين عن هدي نبيهم صلى الله عليه وسلم، واقتحامهم وانتهاكهم الحرمات! وذلك باستحلال هذا الفعل القبيح وهو إدخال القبور في المساجد.
ثم بعد ذلك اقترب رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر إلى حكم الله سبحانه وتعالى الذي أجراه على عباده كلهم:{إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ}[الزمر:٣٠].
دخل فجر يوم الإثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول من العام الحادي عشر من الهجرة، وبينما الناس في المسجد يصلون خلف أبي بكر رضي الله عنه إذا بالستر المضروب على حجرة عائشة قد كشف، وبرز رسول الله صلى الله عليه وسلم من ورائه، فنظر إليهم وهم في صفوف الصلاة، ثم تبسم يضحك، فنكص أبو بكر على عقبه إلى الصف، فقد ظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يخرج إلى الصلاة، وما كان النبي صلى الله عليه وسلم يريد أن يصلي، ولكن كان يلقي عليهم هذه النظرة الأخيرة ليطمئن على أصحابه، فهمَّ المسلمون حينئذ أن يفتنوا في صلاتهم فرحاً برسول الله صلى الله عليه وسلم، فأشار بيده أن: أتموا صلاتكم.
ثم دخل الحجرة وأرخى الستر، وانصرف الناس من صلاتهم وهم يحسبون أن النبي صلى الله عليه وسلم قد برئ من مرضه، ولكن تبين أنها كانت نظرة وداع منه صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه، فقد عاد صلى الله عليه وسلم فاضطجع إلى حجر عائشة رضي الله عنها وأسندت رضي الله عنها رأسه إلى صدرها، وجعلت تتغشاه سكرة الموت.
وفي بعض الأحاديث: أن الرسول عليه الصلاة والسلام نطق بوصيتين في آخر لحظة من حياته حيث قال: (الصلاة وما ملكت أيمانكم، الصلاة وما ملكت أيمانكم) فكانت هذه وصيته الأخيرة لأصحابه وأمته صلى الله عليه وسلم.