للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عبودية الجبال والحجر والحصى]

ومن ذلك أيضاً: عبودية الجبال والحجر والحصى، يقول تبارك وتعالى: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [الحشر:٢١].

ويقول سبحانه وتعالى: {وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [البقرة:٧٤]، يقول القرطبي رحمه الله: (ما تردى حجر من رأس جبل، ولا تفجر نهر من حجر، ولا خرج منه ماء إلا من خشية الله، نزل بذلك القرآن الكريم).

وقال بعض المتكلمين في تفسير قوله تعالى: (وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ): إنه البرد الهابط من السحاب يهبط من خشية الله، فقال بعضهم رداً على هذا القول: هذا القول أبرد من الثلج! أي: أنه قول لا يقبل.

ونقل القرطبي عن ابن مسعود رضي الله عنه أن الجبال تحدث بعضها بعضاً، قال: (إن الجبل ليقول للجبل: يا فلان! هل مر بك اليوم ذاكر لله؟ فإن قال: نعم، سر به، ثم قال ابن مسعود: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً * تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً} [مريم:٨٨ - ٩١]، قال: أفتراهن يسمعن الزور، ولا يسمعن الخير؟!) يعني: هل الجبال تسمع الزور فقط ولا تسمع الخير، تسمع قول الكفار: (اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً)، وتتأذى به، وتكاد تندك، ولا تسمع من يذكر الله؟ ويقول تبارك وتعالى: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً} [الأعراف:١٤٣].

ويقول عليه الصلاة والسلام في الحجر الأسود: (ليأتين هذا الحجر يوم القيامة وله عينان يبصر بهما، ولسان ينطق به، يشهد على من استلمه بحق)، أي: أن الحجر الأسود ينطق يوم القيامة على كل من استلمه بحق.

وقال سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً} [الأحزاب:٦٩]، وذلك أن هؤلاء المغضوب عليهم (اليهود) سبوا نبيهم موسى عليه السلام، واتهموه بأنه آدر، يعني: أن فيه عيباً في العورة، فأراد الله سبحانه وتعالى أن ينزه موسى ويثبت لهم براءته من هذا العيب؛ لأن الأنبياء كاملون في صفاتهم الخلقية والنفسية والجسدية، وفي كل شيء، فالنبي لا يكون فيه عاهة أو نقص أو عيب في خلقته.

وكان موسى عليه السلام رجلاً حيياً، وكان بنو إسرائيل يغتسلون عراة أمام بعضهم البعض، فاغتسل عليه السلام في مكان خالٍ لا يراه أحد، فوضع ثوبه على حجر، ففر الحجر بثوبه -أي: هرب الحجر وأخذ ثوب موسى وفر به- فخرج موسى في إثره يقول: ثوبي حجر! ثوبي حجر! يعني: هات ثوبي يا حجر! إلى أن مر موسى عليه السلام على ملأ من بني إسرائيل على هذه الهيئة وهو عارٍ، فرأوه وقالوا: ما بموسى من بأس، حينئذ توقف الحجر، فأخذ موسى ثيابه، وأخذ يضرب بالحجر؛ حتى إن الحجر ليزبل من ضرب موسى، أي: أثر ضرب موسى في الحجر من شدة الضرب؛ لأنه تغيظ منه أنه فعل ذلك، فهذا الحجر هل فعل ذلك بإرادته، أم أن الله أمره؟

الجواب

أمره الله سبحانه وتعالى، والدليل قوله تعالى: {فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً} [الأحزاب:٦٩].