للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[إجلال حامل القرآن وتقديمه]

وأيضاً من هذه الحقوق حق حامل القرآن، فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخبرنا في الحديث الصحيح أن خيرنا هم أهل القرآن، كما في قوله عليه الصلاة والسلام: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه)، فهذا بيان لطبقة عليا من طلبة العلم، وأن أشرف طلبة العلم وخير العلماء والمتعلمين من كان تعلمه وتعليمه في القرآن الكريم؛ لأن خير الكلام كلام الله، فكذا خير الناس بعد النبيين من اشتغل بكلام الله عز وجل مريداً بذلك وجه الله سبحانه وتعالى، فلأهل القرآن شرف عظيم بهذه الشهادة على لسان رسول الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، وذلك في قوله: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه).

وقد خص الشرع الشريف أهل القرآن بكثير من الفضائل، فإنهم يتقدمون بحسب اهتمامهم بالقرآن الكريم، وبحسب حظهم من حفظ كتاب الله سبحانه وتعالى، فهذا الرسول صلى الله عليه وسلم حينما استعرض قوماً وكان بصدد تأمير أمير عليهم فسألهم عما يحفظ كل منهم، فلما رأى أحدهم قد قرأ سورة البقرة قال له: (أنت أميرهم)، فأمَّره لحفظه سور البقرة.

وقال عليه الصلاة السلام: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله).

رواه مسلم.

وقال ابن عباس رضي الله عنهما: (كان القراء أصحاب مجلس عمر رضي الله عنه ومشاورته كهولاً كانوا أو شباباً) رواه البخاري.

أي: كان القراء -حفاظ القرآن- هم الذين يقدمهم عمر، بغض النظر عن سنهم، سواء أكانوا كهولاًُ أم شباباً ما داموا حافظين للقرآن، فكان يشكل منهم مجلس مشورته ومصاحبته.

وعن أنس رضي الله تعالى عنه عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إن لله أهلين.

قيل: من هم يا رسول الله؟! قال: أهل القرآن هم أهل الله وخاصته).

وكان صلى الله عليه وسلم يجمع بين الرجلين من قتلى أحد، ثم يقول: (أيهما أكثر أخذاً للقرآن؟) أي: يجمع بينهما في الدفن، ويقدم أحدهما قبل الآخر، وهذا التقديم يتم على أساس حفظه للقرآن الكريم، فكان يقول: (أيهما أكثر أخذاً للقرآن؟ فإن أشير إلى أحدهما قدمه في اللحد) رواه البخاري.

وبهذا نكون قد مررنا على بعض الحقوق العامة الشاملة التي تتعلق بحق المسلم عموماً، وفيما يتعلق بحفظ غيبته وعدم انتهاك حرمته بالغيبة، فضلاً عن البهتان، وكذلك مراعاة الأدب مع كبير السن، وكذلك الأدب مع حامل القرآن الكريم، والقاعدة أن الحرمة تتضاعف بتعدد جهات الانتهاك، أي أن بعض المعاصي إذا حصلت في المخالفة من جهة واحدة فهذا ذنب، ويتعاظم هذا الذنب وهذا الوزر إذا تعددت جهات الانتهاك.

فمثلاً: لو أن إنسان له جار، فله حق الجوار وله حق المسلم، ولو كان قريباً فله حق زائد وهو حق الرحم، فأذية مثل هذا الجار لا يكون وزرها مثل أذية الشخص الأجنبي أو الجار الكافر، وهكذا، فكل ما مضى من كلام كان تمهيداًً وتوطئة لأعظم الناس حقاً في المسلمين، وهم أهل العلم وأهل البصيرة في الدين، فهم يشتركون مع كل من مضى في هذه الحقوق: حق الإسلام، وحق كبر السن، وحق حمل القرآن الكريم، ثم بعد ذلك حق العلم الذي شرفهم الله سبحانه تعالى به، فإن هذه الحقوق جميعاً -وخاصة حق العلم- تفرض علينا التزامات تجاههم، وحينما نتكلم عن أهل العلم فنحن لا نقصد زمناً معيناً أو مكاناً معيناً، وإنما نقصد جميع أهل العلم ابتداء من الصحابة رضي الله تعالى عنهم إلى عصرنا الذي نعيشه، فللعلماء حرمة وحقوق وآداب ينبغي أن نلتزمها معهم.

والله أعلم، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.