[تفسير قوله تعالى:(قال رب احكم بالحق وربنا الرحمن المستعان على ما تصفون)]
قال الله سبحانه:{قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ}[الأنبياء:١١٢]، وفي بعض القراءات:(قل رب احكم بالحق).
فعامة القراء السبعة ما عدا حفصاً عن عاصم يقرءون:(قل رب احكم بالحق) بصيغة الأمر، فقراءة الجمهور تدل على أنه صلى الله عليه وسلم أمر أن يقول ذلك، وقراءة حفص (قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ) تدل على أنه صلى الله عليه وسلم امتثل الأمر بالفعل.
وما أمره الله أن يقوله هنا قاله نبي الله شعيب عليه السلام كما ذكره الله عنه في قوله:{رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ}[الأعراف:٨٩](افْتَحْ بَيْنَنَا) أي: احكم بيننا.
{وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ}[الأنبياء:١١٢] أي: الله عز وجل الرحمن المستعان على ما تصفونه بألسنتكم من أنواع الكذب بادعاء الشركاء والأولاد وغير ذلك، كما قال عز وجل:{وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ}[النحل:٦٢]، وقال عز وجل:{وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ}[النحل:١١٦]، وما قاله النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الآية قاله يعقوب عليه السلام لما علم أن أولاده فعلوا بأخيهم يوسف غير ما أخبروه عنه، وأخبروه خبراً كاذباً حيث زعموا أن الذئب أكل يوسف عليه السلام، وعلم أنهم كاذبون في ذلك، فذكر نص هذه العبارة فقال:{بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ}[يوسف:١٨] والمستعان هو المطلوب منه العون تبارك وتعالى، فقوله تعالى:(قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ) أي: افصل بيننا وبين قومنا المكذبين بالحق، والله المستعان عليكم على ما تقولون وتفترون من الكذب بجعل الأنداد لله تعالى وعبادتها من دونه عز وجل.
يقول الرازي: قال القاضي: إنما ختم الله هذه السورة بقوله: (قل رب احكم بالحق) لأنه عليه الصلاة والسلام كان قد بلغ في البيان لهم الغاية.
يعني: استوفى كل ما يستطيع في بيان حقيقة هذا التوحيد، والدعوة إلى هذا الدين، استوفى كل ما أمكن في بيان رسالته، فقد كان قد بلغ في البيان لهم الغاية.
وبلغوا النهاية في أذيته وتكذيبه، فهو استفرغ وسعه وجهده في أداء الرسالة وهم بلغوا النهاية وأقصى حد ممكن في أذيته وتكذيبه، فكان قصارى أمره تعالى بذلك تسلية له (قل رب احكم بالحق)، تسلية له وتعريفاً أن المقصود مصلحتهم، فإذا أبوا إلا التمادي في كفرهم فعليك بالانقطاع إلى ربك ليحكم بينك وبينهم بالحق، إما بتعجيل العقاب بالجهاد أو بغيره، وإما بتأخير ذلك فإن أمرهم وإن تأخر قريب، فكل ما هو كائن قريب، فالله عز وجل توعد هؤلاء الكافرين المعرضين بالإهلاك وبالعذاب الأليم، وأخبر أنه يمهل ولا يهمل سبحانه وتعالى، فمن أجل ذلك أمره الله عز وجل أن يقول هذا القول كالاستعجال بالأمر بجهادهم حتى يجعل الله للمسلمين مخرجاً.
هذا آخر تفسير سورة الأنبياء عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام فلله الحمد والمنة.