يحكي الشيخ حفظه الله كيف استقبلت الجامعة الإسلامية (عام ١٣٩٣هـ) الملك فيصل، ثم وقف الشيخ يلقي كلمة يوجز فيها تاريخ الجامعة وأطوارها، ويذكر زيادة طلابها، وعدد خريجيها، ومطالبهم بعد التخرج، حيث انطلقوا يحققون رسالتها في مختلف أنحاء العالم الإسلامي، ثم إن الشيخ رحمه الله تعالى وقف يذكّر -في حضور الملك فيصل رحمه الله- بأهمية الإعلام في تبليغ الدعوة، وإبراز محاسن الإسلام للسامعين والناظرين والقارئين، ويذكر الملوك والأمراء بمسئوليتهم في هذا الصدد، ويهيب بالإعلام بعدم الانجراف في المزالق التي سبقه إليها الآخرون، وكان يتكلم بحرارة توحي للسامعين أنه يؤدي أمانته، ويبرئ ذمة، كأنما يستحضر مشهد الحشر حيث يسأل كل إنسان عما علم، وتكون مسئولية العلماء أضخم المسئوليات، ثم علق الشيخ المجذوب في هذه اللحظات بقوله: لم أتمالك نفسي أن قلت: الحمد الله الذي حفظ للإسلام من يقول مثل هذا الكلام.
ثم تكلم عن الشيخ ابن باز خطيباً رحمه الله تعالى فيقول: من الأمور الهامة أن يلمس القارئ ثقافة الشيخ في اللغة والأدب؛ لأنهما من الأسس الرئيسية لنظام التعليم الإسلامي، فإن كل جهد يبذل لفهم الآية أو الحديث أو استنباط الحكم الفقهي ذاهب سدى إذا لم يدعم بتعمق في قواعد العربية وآدابها وغريبها، وما يتبع ذلك من علوم البلاغة والنثر والشعر، وقد كان للشيخ أدواته الكافية الوافرة لإجابة الأشياء البديعة، فأهل العلم أكثر ما تنمو قدرتهم الأدبية في نطاق الخطابة؛ لأن معظم اعتمادهم عليها في الدرس والوعظ والدعوة، وهذا ما يتجلى واضحاً في مواهب الشيخ ابن باز، إنه لخطيب مبدع سواء في محاضراته الكثيرة أو تعقيباته على محاضرات غيره أو في توجيهاته الحكيمة التي تشرئب إليها الأسماع.
ومن خصائصه الخطابية قدرته على ترتيب أفكاره حتى لا تتشتت، وضبطه لعواطفه حتى لا تغلب عقله، ثم سلامة أسلوبه الذي لا يكاد يعتريه اللحن في صغير من القول أو كبير.
وأخيراً: تحرره من كل تكلف.
إن هذا الرجل من أشد الناس غيرة على حقائق الوحي واستمرارها سليمة من كل شائبة، وفي طبعه النفور عمن شذ عن هذا، فإذا ما سمع أي شيء من ذلك لم يلبث أن ينهض للتعقيب عليه بما يبين وجه الحق، فرحمة الله عليه رحمة واسعة.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.