نستطرد قليلاً في هذا الموضوع الذي أشرنا إليه وهو ذكر قصص التائبين، ومن ذلك قصة شاب كان يمشي بسيارته، وإذا بها تخرج عن سيطرته وتهوي به في النهر فغاصت به حتى بلغت به القاع، يقول هذا الشاب: وأحسست كأنما استحالت المياه إلى جدران من الحديد، فقلت: إنها النهاية لا محالة فنطقت بالشهادتين، -أي: في نفسه- وبدأت أستعد للموت، وحركت يدي فإذا بها تنفذ في فراغ يمتد إلى خارج السيارة، وفي الحال تذكرت أن زجاج السيارة الأمامي مكسور، شاء الله أن ينكسر في حادث منذ أيام ثلاثة، وقفزت دون تفكير، ودفعت بنفسي من خلال هذا الفراغ، فإذا الأضواء تغمرني، وإذا بي خارج السيارة، ونظرت فإذا جمع من الناس يقفون على الشاطئ كانوا يصيحون بأصوات لم أتبينها، ولما رأوني خارج السيارة، نزل اثنان منهم وصعدا بي إلى الشاطئ، وقفت على الشاطئ ذاهلاً عما حولي، غير مصدق أني نجوت من الموت وأني الآن بين الأحياء، وكنت أنظر إلى السيارة وهي غارقة في الماء فأتخيل حياتي الماضية سجينة هذه السيارة الغارقة، أتخيلها تختنق وتموت وقد ماتت فعلاً، وهي الآن راقدة في نعشها أمامي، لقد تخلصت منها، وخرجت مولوداً جديداً لا يمت إلى الماضي بسبب من الأسباب، وأحسست برغبة شديدة في الجري بعيداً عن هذا المكان الذي دفنت فيه ماضيّ الدنس، ومضيت إلى البيت إنساناً آخر غير الذي خرج قبل ساعات، دخلت البيت وكان أول ما وقع عليه بصري صور معلقة على الحائط لبعض الممثلات والراقصات، فمزقتها، وارتميت على سريري أبكي، ولأول مرة أحس بالندم على ما فرطت في جنب الله، فأخذت الدموع تنساب بغزارة من عيني، وأخذ جسمي يهتز، وبينما أنا كذلك إذا بصوت المؤذن يجلجل في الفضاء، وكأني أسمعه لأول مرة، فانتفضت واقفاً وتوضأت، وفي المسجد بعد أن أديت الصلاة أعلنت توبتي، ودعوت الله أن يغفر لي، ومنذ ذلك الحين وأنا كما ترى.
قلت: هنيئاً لك يا أخي! وحمداً لله على سلامتك، لقد أراد الله بك خيراً، والله يتولاك ويرعاك، ويثبت على الحق خطاك.