[قيام دولة اليهود على أساس ديني]
نحتاج أيضاً قبل الخوض في هذه القضية إلى المرور العابر على الصدام بين المسلمين واليهود فيما يتعلق بفلسطين، فإن المتأمل في مسيرة الصراع بين المسلمين واليهود لعنهم الله تصدمه حقائق كبيرة يراد تكذيبها، ومعالم خطيرة يراد تحقيرها، من هذه الحقائق المهمة والخطيرة جداً: أن الكيان اليهودي جعل الدين ركيزته التي تنطلق منها سياسته؛ فالدولة اليهودية قائمة على أساس ديني محض، لا تشوبه أية شائبة أخرى، وسياساتهم تقوم على دينهم وعلى عقيدتهم، فظل هذا الكيان ينتقل من خلال الصراع مع المسلمين من إنجاز إلى إنجاز، ومن قوة وانتشار إلى مزيد من القوة والانتشار، في الوقت الذي ظلت فيه الكيانات العلمانية التي تصدرت للمعركة تتخبط في سيرها متنقلة من فشل إلى فشل، ومن تنازل وخسارة إلى مزيد من التنازل والخسارة.
واليهود رفعوا منذ بدأ القتال مع المسلمين راية واحدة هي راية التوراة، فإن اليهود حينما غادرت قوات الجيش المصري المرابطة في جنوب فلسطين دخلوا مكانهم، ووصلت إحدى كتائبهم إلى حدود سيناء سنة (١٩٤٨م) فنزل الضباط والجنود اليهود من سياراتهم وقبلوا التربة، باعتبار أن سيناء في نظرهم أرضهم المقدسة.
وحينما وقع العدوان الثلاثي على مصر في ٢٩ أكتوبر سنة (١٩٥٦م)، ووصلت القوات اليهودية إلى حدود سيناء كان في طليعة القوات الزاحفة سيارة جيب تتقدم جميع القوات الزاحفة، وكانت تحمل كتاباً ضخماً هو التوراة، ومن خلفه وقف حاخام يخطب في الجنود ويقول: يا أبناء إسرائيل! إنكم تدخلون الآن الأرض المقدسة؛ حيث تسلم موسى الشريعة، فهيا لتطهيرها من الأعداء.
يعني: من المصريين، فالمنطلق الذي ينطلق منه أعداء الله منطلق ديني، وليس بمنطلق اقتصادي ولا سياسي ولا أي شيء آخر، فكل مواقفهم تنطلق من هذه الركيزة التي لا يتخلون عنها.
ففلسطين في زعمهم هي أرض الميعاد، وقد أسموا دولتهم باسم نبي الله يعقوب عليه السلام: إسرائيل، وجعلوا دستور دولتهم التوراة، فالدستور الذي يحكم إسرائيل هو التوراة، فهي دولة دينية، ورفضوا أن يحددوا لهذه الدولة حدوداً رسمية، إلا بعد أن ينتهوا من ضم الحدود التي ترسمها التوراة!! ومعلوم أنهم ينقشون على جدار الكنيست العبارة المعروفة: (أرضك الكبرى -يا إسرائيل- من النيل إلى الفرات)، وهذا المعنى نفسه يعبر عنه العلم اليهودي الذي يرفرف الآن في بعض العواصم التي من المفروض أن تكون إسلامية.
فالعلم اليهودي عبارة عن أرضية فيها خطان أزرقان، وفي الوسط نجمة داود السداسية، والخطان الأزرقان هما رمزان للنهرين، فأحدهما يشير إلى النيل، والآخر يشير إلى الفرات، وما بينهما نجمة داود تشير إلى أن منطقة السيادة اليهودية بين النيل وبين الفرات.
والآن بدءوا ينادون بضم يثرب، أي: ضم المدينة المنورة، ويزعمون أن لهم حقاً في المدينة المنورة، كما سنبين.
والمقصود: أنهم رفضوا أن يحددوا حدوداً رسمية لدولتهم، إلا بعد أن ينتهوا من ضم الحدود التي ترسمها التوراة، وخاضوا معاركهم التي كان يقودهم فيها الأحبار والحاخامات، وجعلوا لدولتهم بكل توجهاتها السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية شعاراً واحداً يتوسط العلم الإسرائيلي هو نجمة داود التي ترمز إلى قبلة هذا المجتمع العقائدي وهذه الدولة التي يريدون إعادتها بعد غياب ألفي عام.
وهذه القبلة هي هيكل سليمان الثالث، ويسمونه ثالثاً؛ لأنه هدم من قبل مرتين، والآن يخططون لإعادة بنائه بعد هدم المسجد الأقصى.
فهذه القبلة هي هيكل سليمان الثالث، ذلك المعبد الذي يريدون أن يبنوه مكان المسجد الأقصى والصخرة؛ ليبرزوا بذلك معالم الدولة الدينية اليهودية العالمية ذات الاسم الديني والدستور الديني والحدود الدينية والشعار الديني؛ لتكتمل بذلك صورة الدولة اليهودية العالمية، على أنقاض دولة الخلافة الإسلامية.