نحن نتذكر دائماً قول الله تبارك وتعالى:{إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ}[الرعد:١١]، ونقول: إن بداية التغيير هي فكرة، فلابد من أن يكون هناك تغيير في الفكر؛ لأن أي سلوك عملي سواء أكان جهاداً دعوياً أم موقفاً عملياً يتخذه الإنسان هو عبارة عن مرآة تعكس ما عنده من فكر، فكل إنسان يكون في ذهنه أو في قلبه مادة معينة يحاول أن يوظف حياته وطاقته لخدمة هذا المادة، فإذا تكلمنا على تغيير أحوال الأمة -سواء في نطاق الأفراد أو الجماعات- فالتغيير يبدأ من أنفسنا، ولا نستطيع أن نغير أنفسنا إلى ما يوافق رضا الله تبارك وتعالى حتى نستوثق أن هذا الفهم الذي سنسعى لأجل التمكين له ونشره في الناس هو موافق لما يرضي الله عز وجل.
والنبي صلى الله عليه وسلم كان قد أشار إلى هذا المعنى في حديث ذكر فيه مراحل السقوط التي تمر بها الأمة، فقد قال عليه الصلاة والسلام:(تكون نبوتي فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها) ثم ذكر أنه بعد ذلك سيكون ملك عاض، ثم بعده سيكون ملك جبري، ثم قال في آخر هذه المراحل عليه الصلاة والسلام:(ثم تكون خلافة على منهاج النبوة) ثم سكت صلى الله عليه وسلم، فتأمل أنه بعد مراحل الضعف أخبر عليه الصلاة والسلام أنه ستكون خلافة على منهاج النبوة.
إذاً لابد من أن نركز على منهاج النبوة، وأن نفهم هذا الحديث في ضوء هذا المعنى، فلا يمكن أن يحصل تمكين للمسلمين من جديد، ولن يعودوا إلى عزتهم إلا بمنهاج النبوة، وأي منهج يخالف منهاج النبوة فليس هو سبب التغيير، ولن يؤدي إلى هذا التمكين.
وبقاء جماعة المسلمين أمر لاشك فيه؛ إذ الجماعة لها معنيان: معنى سياسي ومعنى منهجي، فالجماعة بالمعنى السياسي: الكيان والبناء الذي يمكن أن يتخلف في بعض الأعصار والأزمان.
والشاهد لهذا في حديث حذيفة:(فإن لم تكن لهم جماعة ولا إمام) فإنه يدل على إمكانية أن يبقى المسلمون بدون جماعة بالمعنى السياسي، وهي جماعة الخلافة، لكن الجماعة بالمعنى المنهجي العلمي قد ضمن الله تبارك وتعالى بقاءها إلى أن يأتي أمر الله في آخر الزمان، وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم:(لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم أو خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك)، فمن رحمة الله سبحانه وتعالى بهذه الأمة أن ضمن لها بقاء هذه الفرقة الناجية والطائفة المنصورة.
فإذاً موضوع الفهم الذي نسعى لأجل تحقيقه أمر مهم جداً؛ لأن كل معاني ذلك هو وسيلة، فبعض الناس يركز على قضية الجهاد، ولا شك أنه ذروة سنام الإسلام، لكن إذا تأملنا في الجهاد عرفنا أنه عبارة عن وسيلة لتمكين الدين، فالجهاد شرع من أجل إعلاء كلمة الله تبارك وتعالى ونشر كلمة الإسلام والدفاع عن حوزته، فإذاً الجهاد وسيلة للدعوة ووسيلة لنشر الفهم الصحيح للإسلام الذي يوافق منهاج النبوة ويوافق منهج الفرقة الناجية.
فالغاية والهدف تعبيد الناس لربهم تبارك وتعالى، أما وضع أهداف خلاف هذا الهدف فإنه في الحقيقة يترتب عليه كثير من الأضرار، فبعض الناس إما أنه يجعل الهدف هو إقامة دولة الإسلام، ولا يشترط أن تكون دولة الإسلام في زمن من الأزمان أو ظرف من الظروف هي الهدف، إنما ينبغي أن يكون الهدف هو إرضاء الله تبارك وتعالى، وإرضاء الله يكون بأن تنفذ ما يكلفك الله سبحانه وتعالى به حسب طاقتك وحسب الظروف التي تحيط بك، فإن الدعوة -بلا شك- تمر بمراحل شتى مختلفة سواء بالنسبة للزمان أو بالنسبة للمكان، فإذا جعلنا الهدف هو إقامة الدولة الإسلامية ثم لم تحقق الدولة فسيحصل نوع من الإحباط، وكأنه ليس هنالك شيء يعمل الإنسان من أجله، لكن إرضاء الله تعالى هو هدف أعم، فإرضاء الله يكون بأن تفعل ما تستطيعه، فأنت غير مطالب بالنتائج إذا ما قصرت، لكن أنت مطالب بالأخذ بالأسباب حسبما تستطيع.