[انشغال المسلمين بالدنيا واللهو ونسيانهم قضايا الأمة الكبيرة]
مما يؤسف له أنّه حصل موقف يتحسر فيه المرء على حال المسلمين، فقد قال مراسل الـ ( B.
B.
c) يصف القاهرة: القاهرة من أكثر عواصم العالم ازدحاماً، سواء أكان ذلك في ليل أم في نهار.
ويقول: أنا مع طول مكثي في القاهرة ما رأيت العاصمة قبل ذلك على هذه الهيئة، فقد ظهرت عاصمة مصر على حالين متناقضين تماماً: الأولى: أثناء إذاعة المباراة باتت الشوارع وكأن المدينة قد فرض عليها نظام حظر التجول.
والصورة الأخرى التي تضادها تماماً هي ما كان من الناس بعدما حصل الفوز العظيم والنصر المبين، وكأن القدس قد استعيدت، وفلسطين قد رجعت، وكأن أفغانستان قد عادت، وكأن شرع الله قد طبق، وكأن كل الأهداف التي تعيش لها هذه الأمة الغافلة اللاهية التي صارت أضحوكة الأمم قد حققت، فترى أفرادها أوائل في اللعب واللهو، أما الجهاد والعيش للهدف الذي خلقنا الله من أجله وقال: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:٥٦] فيسمى تطرفاً.
وفي نفس هذا اليوم -أعني يوم الفوز العظيم الذي حققه المجاهدون في ميدان الكرة- أعلن نائب رئيس الأركان الإسرائيلي أن إسرائيل تعتقد حتمية قيام حرب رابعة أو حرب جديدة مع عدة دول عربية، ذكر منها مصر وسوريا والأردن والعراق.
وهل ذكر السعودية؟ إنني غير متأكد من ذكر السعودية، ولو ذكرها لكانت المصيبة أكبر؛ لأنهم يطمعون في المدينة المنورة، وفي نفس هذا اليوم الذي صدر فيه هذا التصريح يخرج المحدث المصري يرتعد من الخوف ويقول: كيف هذا؟! هذا يتعارض مع السلام الذي نحن عليه وكذا وكذا، وفي نفس هذا اليوم -أيضاً- خنق ستون طفلاً فلسطينياً في مستشفى الأطفال في محاضنهم من تأثير الغازات المسيلة للدموع التي ألقاها اليهود -لعنهم الله- عليهم، أفنحب أن يكون في كل بيت مأتم؟! فما الفرق بين أن يكون هؤلاء الأطفال إخوانك أو أبناؤك؟! كيف يحصل هذا الانتصار الشعوري، فنحن في نشوة وانتصار كأن فلسطين قد فتحت، وكأن القدس قد عادت، ومثل هذا من التفاهات واللهو واللعب يحصل.
يا أمة ضحكت من جهلها الأمم، وكم في مصر من المضحكات! ولكنه ضحك كالبكاء.
ترى الناس يبكون وكأنهم يبكون من خشية الله، إنّا نعيش مأساة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فالمقصود أن التربية هي التي تنشئ هذه الأمة المجاهدة، وأنا أريد أن أسأل الإخوة المجاهدين الذين يمكثون أمام التلفزيون الساعات الطوال، وربما تخلفوا عن صلاة الجماعة ببسب هؤلاء الشياطين المجرمين فأقول: لو كان بينكم الآن أبو بكر أو عمر بن الخطاب أو خالد بن الوليد أو سعد بن أبي وقاص أو عبد الرحمن بن عوف أو ابن تيمية أو محمد بن عبد الوهاب أو صلاح الدين الأيوبي هل كانوا سيمكثون أمام اللعب واللهو وينظرون إلى هذا الجهاز الجديد؟! إنّ هذه صورة جديدة من الجهاد تحشد لها أمة بكاملها، وتحشد لها الملايين وتنفق عليها.
فهل تسأل -يا من تسأل وتكثر السؤال-: هل النظر إلى المباريات حلال أو حرام؟ هل عرضت على قلبك هذا السؤال؟! هل كان عمر سيمكث هذه الساعات أمام هذا الباطل وأمام هذا اللغو؟! الله المستعان! إننا نوبخ أنفسنا بمقارنة أحوالنا وأحوال السابقين، فلن نقارن بين رجالنا ورجالهم، بل سنقارن بين رجالنا ونسائهم، ونردد قول الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: أحب الصالحين ولست منهم علي أن أنال بهم شفاعة وأبغض من تجارته المعاصي إن كنا سواء في البضاعة ونقول: أما لك في الرجال أسوة؟! أتسبقك وأنت رجل النسوة؟! وبين أيدينا نماذج من نساء السلف اجتهدن في طاعة الله تبارك وتعالى.