للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[باب الإخبار عن الله سبحانه وتعالى]

باب الإخبار عن الله سبحانه وتعالى أوسع من باب أسمائه وصفاته، فهناك ألفاظ وعبارات يخبر بها عن الله هي أوسع من حدود الأسماء والصفات، كالموجود والقائم بنفسه والشارع، فهذا مما يخبر به عن الله عز وجل، ولا يدخل في أسمائه الحسنى وصفاته العليا، فيقال: الشارع الحكيم كذا وكذا.

وهذا ليس من أسماء الله وصفاته، وإنما من باب الإخبار عن الله الذي هو أوسع من باب الأسماء والصفات، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في درء تعارض العقل والنقل: ثم أنت تسميه قديماً وواجب الوجود وذاتاً ونحو ذلك مما لم يرد به الشرع، والشارع يفرق بين ما يدعى به من الأسماء، فلا يدعى إلا بالأسماء الحسنى، وبين ما يخبر بمضمونه عنه، فالدعاء لا يكون ولا يحصل إلا بالأسماء الحسنى، كما أمر الله سبحانه وتعالى: {فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف:١٨٠].

فكل ما لا يليق أن يدعى الله به فهو قطعاً ليس من الأسماء الحسنى.

هذا أمر.

الأمر الثاني: ما يُخبر بمضمونه عنه من الأسماء لإثبات معنى يستحقه نفاه عنه ناف.

كما أنه من نازعك في قدمه أو وجوب وجوده قلت مخبراً عنه بما يستحقه: إنه قديم وواجب الوجود، وإن كانت هذه ألفاظ كلامية، والأولى استعمال الاسم الشرعي الذي هو الأول.

وقال شيخ الإسلام: الفرق بين مقام المخاطبة ومقام الإخبار فرق ثابت في الشرع والعقل، مقام المخاطبة هو دعاء الله سبحانه وتعالى، فلا يدعى إلا بالأسماء الحسنى، لكن مقام الإخبار عن الله عز وجل أوسع من مقام التقيد بالأسماء الحسنى، وبه يظهر الفرق بين ما يدعى الله به من الأسماء الحسنى، وبين ما يخبر به عنه عز وجل مما هو حق ثابت؛ لإثبات ما يستحقه سبحانه من صفات الكمال، ونفي ما تنزه عنه عز وجل من العيوب والنقائص؛ فإنه الملك القدوس السلام سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً.

قال تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ} [الأعراف:١٨٠]، مع أنه قال: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} [الأنعام:١٩]، فأطلق عليه هنا وأخبر عنه بأنه شيء سبحانه وتعالى، لكن هل يقال في الدعاء: يا شيء؟ لا يقال في الدعاء: يا شيء؛ لأنه ليس من أسمائه الحسنى، لكن هذا من باب الإخبار عن الله عز وجل، أما باب مخاطبة الله ودعاء الله فلا يكون إلا بما هو ثابت من الأسماء الحسنى.

وقد وضح هذه الجملة الدكتور عمر الأشقر حفظه الله تعالى في كتابه في الأسماء والصفات، حيث يقول: ليس كل ما أخبرت به النصوص فهو من أسمائه تبارك وتعالى.

أي: أن النصوص حينما تخبر عن الله تخبر بعبارات أوسع من مجرد حدود الأسماء الحسنى.

يقول: فليس كل ما تخبر به النصوص عن الله يعد من أسمائه الحسنى؛ والسر في ذلك: أن الأخبار يتوسع فيها ما لا يتوسع في الأسماء، خاصة إذا كانت الأسماء تستعمل للمخاطبة.

أي: مخاطبة الله، ودعاء الله، وسؤال الله، فالقاعدة: أنه لا يسأل العبد ربه إلا بالأسماء الحسنى، لكن يخبر عنه بأشياء أوسع من الأسماء الحسنى.

فالله أخبر عن نفسه تبارك وتعالى أنه كثير العفو قابل التوب فالق الإصباح فالق الحب والنوى محب المؤمنين مبغض الكافرين فعال لما يريد عدو الكافرين منعم متفضل مكرم مقلب القلوب ونحو ذلك، فجعلها بعض أهل العلم من أسمائه، والعلماء يتوسعون في الأخبار، فيجيزون إطلاق اسم: الموجود والشيء والثابت على الله من باب الأخبار، وإن لم ترد في الكتاب والسنة، كما يقول المفسرون -مثلاً- في تفسير لفظ اسم الحق سبحانه وتعالى: الثابت الدائم.

يقول ابن القيم: ما يدخل في باب الإخبار عنه تبارك وتعالى أوسع مما يدخل في باب أسمائه وصفاته، كالشيء والموجود والقائم بنفسه؛ فإنه يخبر به عنه، ولا يدخل في أسمائه الحسنى وصفاته العليا، وكثير مما عده أهل العلم من أسمائه الحسنى مما ورد في الكتاب والسنة ومما لم يرد فيهما هو من باب الإخبار لا من باب الأسماء، وهذا أمر مهم نبه عليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، فقد أفاد أنه لا يجوز الإخبار عن الله تعالى باسم سيء.

يقول رحمه الله: يفرق بين دعائه والإخبار عنه، فلا يدعى إلا بالأسماء الحسنى، وأما الإخبار عنه فلا يكون باسم سيء، لكن قد يكون باسم حسن أو باسم ليس بسيئ، وإن لم يحكم في حسنه مثل: اسم شيء، وذات، وموجود.